الآيات 14-16
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾
وهذا تعداد لنوع آخر من نعمه، فقال " وهو الذي سخر البحر " أي ذلله لكم وسهل لكم الطريق إلى ركوبه واستخراج ما فيه من أنواع المنافع فتصطادون منه أنواع السمك، فتأكلون لحمه طريا، ولا يجوز ان تهمز طريا، لأنه من الطراوة لا من الطراءة، و " تستخرجوا " من البحر حلية يعني اللؤلؤ والمرجان الذي يخرج من البحار " تلبسونها " وتتزينون بها " وترى الفلك " يعني السفن " مواخر فيه " قال الحسن معناه مقبلة ومدبرة بريح واحدة، وقال قوم: معناه منقلة، والمواخر جمع ماخرة، والمخرشق الماء من عن يمين وشمال، يقال: مخرت السفينة الماء تمخره مخرا، فهي ماخرة، والمخر أيضا صوت هبوب الريح إذا اشتد هبوبها. وقوله " ولتبتغوا من فضله " اي ولتكتسبوا من فضل الله ونعمه بركوب البحر، ولكي تشكروه على أياديه، والواو دخلت ليعلم ان الله خلق ذلك. وأراد جميع ذلك وقصده. ثم أخبر انه القى في الأرض رواسي، وهو جمع راسية وهي الجبل العالي الثابت " ان تميد بكم " اي لئلا تميد بكم الأرض. وقال الزجاج: معناه كراهة ان تمتد، ولم يجز حذف (لا) والميد الميل يمينا وشمالا، وهو الاضطراب: ماد يميد ميدا، وهو مائد. وقوله " وأنهارا وسبلا " تقديره وجعل لكم انهارا، لدلالة (القى) عليه، لأنه لا يجوز أن يكون عطفا على (القى) ومثله قول الشاعر:
تسمع في أجوافهن صردا * وفي اليدين جسأة وبددا (1)
اي وترى في اليدين يبسا وتفرقا، ومثله قولهم: (علفتها تبنا وماء باردا) والمعنى وسقيتها ماء، ومثله كثير، و (سبلا) عطف على (أنهارا) لكي تهتدوا بها في سلوككم، وانتقالكم في أغراضكم. وقوله " وعلامات وبالنجم هم يهتدون " اي جعل لكم علامات. وقيل إنها الجبال ونحوها. قال ابن عباس: يعني الجبال يهتدى بها نهارا، والنجم يهتدى به ليلا، وهو اختيار الطبري. و (العلامة) صورة يعلم بها المعنى، من خط أو لفظ أو إشارة أو هيئة، وقد تكون وضعية، وقد تكون برهانية. وقوله و " بالنجم هم يهتدون " فالنجم هو الكوكب، ويقال: نجم النبت إذا طلع تشبيها بطلوع النجم، وإنما قال - ههنا - و " بالنجم " فوحد، وقال فيما تقدم " والنجوم مسخرات " لان النجوم على ثلاثة أضرب: ضرب يهتدى بها مثل الفرقدين، والجدي، لأنها لا تزول، وضرب هي الشهب، وضرب هي زينة السماء، كما قال " زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب " (2) فقوله " وبالنجم " يجوز ان يريد به النجوم، فأخبر بالواحد عن الجميع، كما قال " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء " (3) والنجم في قوله " النجم الثاقب " (4) يريد الثريا فقط " والنجم إذا هوى " (5) يعني نزول القرآن إذا نزل به جبرائيل (ع) وقوله " والنجم والشجر يسجدان " (6) يريد كلما نجم من الأرض اي نبت، مما لا يقوم على ساق كالبطيخ والقرع والضغابيس وهو الفتاء الصغار، ويشبه الخسيس بالضغبوس أنشد ابن عرفة:
قد جربت عركي في كل معترك * غلب الأسود فما بال الضغابيس (7).
1- سورة الصفات آية 6.
2- سورة النور آية 31.
3- سورة الطارق آية 3.
4- سورة النجم 53 آية 1.
5- سورة الرحمن آية 6.
6- البيت لجرير ديوانه (دار بيروت) 251 واللسان (ضغبس) وقد روي (الرجال) بدل (الأسود).
7- سورة العنكبوت اية 17.