الآيات 5-7
قوله تعالى: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾
الانعام جمع نعم، وهي الإبل، والبقر، والغنم، سميت بذلك لنعومة مشيها بخلاف ذات الحافر الذي يصلب مشيها. ونصب بفعل مقدر يفسره ما بعده، والتقدير وخلق الانعام خلقها، وإنما نصب لمكان الواو، العاطفة على منصوب قبله. وقوله " خلقها لكم " تمام، لان المعنى خلق الانعام لكم أي لمنافعكم. ثم أخبر، فقال " فيها دف ء " والدف ء ما استدفأت به. وقال الحسن يريد ما استدفئ به من أوبارها، وأصوافها، وأشعارها. وقال ابن عباس: هو اللباس من الأكيسة وغيرها، كأنه سمي بالمصدر ومنه دفوء يومنا دفأ، ونظيره (الكن) قال الفراء: كتبت (دف ء) بغير همز، لان الهمزة إذا سكن ما قبلها حذفت من الكتاب، ولو كتبت في الرفع بالواو، وفي النصب بالألف وفي الخفض بالياء كان صوابا. وقال قتادة " فيها دف ء ومنافع " معناه منفعة هي بلغة، من الألبان وركوب ظهرها " ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون " وذاك أعجب ما يكون إذا راحت عظاما ضروعها طوالا أسمنتها " وحين تسرحون " إذا سرحت لرعيها. فالسروح خروج الماشية إلى المرعى بالغداة. والإراحة رجوعها من المرعى عشيا: سرحت الماشية سرحا وسروحا وسرحها أهلها قال الشاعر:
كأن بقايا الأثر فوق متونه * مدب الدبا فوق النقا وهو سارح (1)
وقوله " وتحمل أثقالكم " يعني هذه الانعام تحمل أثقالكم، وهو جمع ثقل، وهو المتاع الذي يثقل حمله، وجمعه أثقال " لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس " والبلوغ المصير إلى حد من الحدود، بلغ يبلغ بلوغا وأبلغه إبلاغا، وبلغه تبلغا وتبلغ تبلغا وتبالغ تبالغا، والشق المشقة، وفيه لغتان، فتح الشين وكسرها، فالكسر عليه القراء السبعة. وبالفتح قرأ أبو جعفر المدني. والشق أيضا أحد قسمي الشئ الذي في احدى جهتيه، ، وقال قتادة: معناه بجهد الأنفس، وكسرت الشين من شق الأنفس مع أن المصدر بفتح الشين لامرين:
أحدهما: قال قوم: هما لغتان في المصدر، قال الشاعر:
وذي إبل يسعى ويحسبها له * أخي نصب من شقها ودؤوب (2)
بالكسر والفتح.
وقال العجاج: أصبح مسحول يوازي شقا (3) لكسر والفتح بمعنى يقاسي مشقة، وقال قوم: ان المعنى إلا بذهاب شق قوى النفس ذكره الفراء والزجاج، واختاره الطبري. وقوله " ان ربكم لرؤوف رحيم " أي رؤوف بكم رحيم، ومن رحمته أنه خلق لكم الانعام لتنتفعوا بها، على ما ذكره.
1- قائله النمر بن تولب. اللسان (شقق).
2- اللسان (شقق).
3- سورة المؤمن (غافر) آية 79.