الآية 123-124
الآية 123-124
قوله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
القراءة:
قرأ حفص وورش ورويس " آمنتم " على الخبر. الباقون بهمزتين على الاستفهام. وحقق الهمزتين أهل الكوفة إلا حفصا وروحا. الباقون بتحقيق الأولى وتليين الثانية إلا أن قنبلا في غير رواية ابن السائب يقلب همزة الاستفهام واوا إذا اتصلت بنون فرعون، ولم يفصل أحد بين الهمزتين بألف، قال أبو علي: قياس قول أبي عمرو ومذهبه أن يفصل بين الهمزتين بألف كما يفصل بين النونات في (اخشينان) إلا أنه يشبه أن يكون ترك القياس، وقوله هنا لما كان يلزم منه اجتماع المتشابهات فترك الألف التي تدخل بين الهمزتين، وخفف الهمزة الثانية التي هي همزة (افعل) من (آمن) فأما رواية أبي الاخريط عن ابن كثير بابدال الهمزة واوا، فإنه أبدل من ألف الاستفهام واوا، لانضمام ما قبلها وهي النون المضمومة في (فرعون) وهذا في المنفصل مثل المتصل من نوره، فقوله (نوأ) على وزن (نود) وفى رواية قنبل عن القواس مثل رواية البزي عن أبي الاخريط غير أنه يهمز بعد الواو، قال أبو علي: من همز بعد الواو، لأن هذه (الواو) هي منقلبة عن همزة الاستفهام، وبعد همزة الاستفهام همزة (أفعلتم) فخففها، ولم يخففها كما خفف في القول الأول، ووجهه ان الأولى لما زالت عن لفظ الهمزة وانقلبت واوا حقق الهمزة بعدها، لأنه لم يجتمع همزتان. ووجه القول الأول أن (الواو) لما كان انقلابها عن الهمزة تخفيفا قياس، كان في حكم الهمزة فلم يحقق معها الثانية كما لا تحقق مع الهمزة نفسها، لان الواو في حكمها، كما كانت في حكمها في (رويا) في تخفيف (رؤيا) فلم يدغموها في الياء، كما لم يدغم الهمزة فيها. ومن قرأ على الخبر فوجهه أنه يخبرهم بايمانهم على جهة التقريع لهم بايمانهم، والانكار عليهم. ووجه الاستفهام أنه استفهام على وجه التوبيخ والتقريع، والانكار عليهم. وحمزة والكسائي قرءا بهمزتين الثانية ممدودة، لان الهمزة الثانية تتصل بها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء في (آمن). في هذه الآية حكاية لما قال فرعون للسحرة حين آمنوا بموسى وصدقوه لظهور الحق، فقال لهم " آمنتم به؟" وإنما قال لهم ذلك، لأنه توهم أن الاقدام على خلاف الملك بما عمل قبل الاذن فيه منكر يقتضي سطوة الملك بصاحبه والتنكيل به، وعندنا أن فرعون لم يعرف الله قط معرفة يستحق بها الثواب. وقال الرماني: لا يمتنع أن يكون عارفا بالله، وإنما قال هذا القول تمويها على قومه وللتحذير من مثل حال السحرة الذين أقدموا على المخالفة له في الايمان بموسى (ع). وقوله تعالى " إن هذا لمكر مكر تموه في المدينة " معناه تواطأتم على هذا الامر لتستولوا على العباد والبلاد، فتخرجوا من المدينة أهلها وتتغلبوا عليها، والمكر قيل الاغترار بالحيلة إلى خلاف جهة الاستقامة وأصله الفتل والالتفاف كما قال ذو الرمة:
عجزاء ممكورة خمصانة قلق * عنها الوشاح وثم الجسم والعصب (1)
والمكر والخدع نظائر في اللغة، وقوله " فسوف تعلمون " تهديد من فرعون لهم وتخويف من مخالفته، وإنما هدد فرعون ب? (سوف تعلم)، لان فيه معنى أقدمت بالجهل على سبب الشر، فسوف تعلم حين يظهر مسببه الذي أدى إليه كيف كانت منزلته، فهو أبلغ من الافصاح به. وقوله " لأقطعن أيديكم " فالتقطيع تكثير القطع ونظيره التفصيل والتفريق، ونقيضه التوصيل تقول: قطع قطعا وأقطع اقطاعا، وقطع تقطيعا وتقطع تقطعا واقتطع اقتطاعا وتقاطع تقاطعا واستقطع واستقطاعا وقاطع مقاطعة وانقطع انقطاعا. والأيدي جمع يد، وهي الجارحة المخصوصة، واليد النعمة، لأنها تسدي إلى صاحبها باليد. والأرجل جمع رجل وهي الجارحة التي يمشي بها من يمين وشمال. والراجل خلاف الراكب وترجل الانسان إذا نزل عن دابته واقفا على رجله، ورجله غيره، وارتجل القول ارتجالا إذا كان فيه كالراجل الذي لم يستعن بركوب غيره. ورجل الشعر إذا سرحه حاطا له عن ركوب بعضه بعضا. و (التقطيع من خلاف) هو قطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، وهو قول الحسن، وقال غيره: وكذلك يكون قطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى. وقوله " ثم لأصلبنكم أجمعين " القراء كلهم على ضم الهمزة، وتشديد اللام من (أصلبكم) وذكر الفراء " ولأصلبنكم " بفتح الهمزة وكسر اللام من الصلب، وهو الشد على الخشبة أو ما جرى مجراها من الأشخاص البارزة، وهو مشتق من صلابة الشد، يقال: صلب صلابة وصلبه تصليبا وتصلب تصلبا. وقال ابن عباس: أول من صلب وقطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون.
1- سيأتي في 5 / 128 وهو في مقاييس اللغة 4 / 233.