الآيات 92-99

قوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾

أقسم الله تعالى بقوله " فوربك " يا محمد، وفي ذلك تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتنبيه على عظم منزلته عند الله " لنسألنهم " يعني هؤلاء الكفار " أجمعين " وإنما يسألهم سؤال توبيخ وتقريع، فيقول لهم لم عضيتم القرآن، وما حجتكم فيه وما دليلكم عليه، فيظهر عند ذلك خزيهم وفضيحتهم عند تعذر جواب بصح منهم. وقوله " فاصدع بما تؤمر " أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ان يفرق بما أمر به، والمعنى أفرق بين الحق والباطل بما تؤمر به، قال أبو ذؤيب:

وكأنهن ربابة وكأنه * يسر يفيض على القداح ويصدع (1)

وقال مجاهد: معناه فاجهر بما تؤمر، وإنما قال بما تؤمر، ولم يقل بما تؤمر به، لامرين:

أحدهما: انه حذف (به) كما يقال آمرك وآمر بك، وأكفرك وأكفر بك قال الشاعر:

إذا قالت حذام فصدقوها * فإن القول ما قالت حذام (2).

وكما قال الآخر:

أمرتك حازما فعصيتني * وأصبحت مسلوب الامارة نادما(3)

وقوله " أعرض عن المشركين " أمر بأن يعرض عن المشركين، ولا يخاصمهم إلى أن يأمره بقتالهم. وقوله " انا كفيناك المستهزئين " المعنى كفيناك شرهم واستهزاءهم بأن أهلكناهم وكانوا خمسة نفر من قريش: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة والأسود بن عبد يغوث، والحرث بن عيطلة - في قول سعيد بن جبر - وقيل الأسود بن المطلب، أهلكهم الله. وقوله " الذين يجعلون مع الله إلها آخر " الذين في موضع جر، لأنه بدل من المستهزئين، وصفهم بأنهم اتخذوا مع الله إلها آخر عبدوه، ثم قال " فسوف يعلمون " وبال ذلك يوم القيامة، وهذا غاية التهديد، ثم قال " ولقد نعلم أنك " يا محمد " يضيق صدرك " ويشق عليك ما يقولون من التكذيب والاستهزاء. ثم أمره ان يحمد ربه على نعمه وأن يكون من الساجدين الذين يسجدون لله. ويوجهون عبادتهم إليه، وان يعبد ربه إلى الوقت الذي يأتيه اليقين، ومعناه حتى يأتيه الموت في قول الحسن ومجاهد وقتادة - وسمي يقينا، لأنه موقن به توسعا وتجوزا، لأنه مما يوقن به جميع العقلاء. ويحتمل أن يكون أراد. حتى يأتيه العلم الضروري بالموت والخروج من الدنيا الذي يزول معه التكليف.


1- ديوانه 81 ومجاز القران 1: 355 وتفسير الطبري 14: 41 واللسان " صدع " ومجمع البيان 3: 346.

2- قطر الندى (باب المعرب والمبنى) واللسان (حذم).

3- سورة النحل آية 77.