الآيات 117-118
قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾
القراءة:
قرأ حفص عن عاصم " تلقف " خفيفة. الباقون بتشديد القاف، وقرأ ابن كثير فإذا هي " تلقف " بتشديد التاء والقاف في رواية البزي عنه إلا النقاش، وابن فليح. والوحي هو القاء المعنى إلى النفس من جهة تخفى، ولذلك لم يشعر به إلا موسى (ع) حتى امتثل ما أمر به فإذا العصا حية تسعى. وفي هذه الآية إخبار من الله تعالى أنه أوحى إلى موسى (ع) حين ألقى السحرة سحرهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم: أن ألق عصاك ف? (أن) يحتمل أمرين:
أحدهما: أن تكون مع ما بعدها من الفعل بمنزلة المصدر، وتقديره أوحينا إلى موسى بالالقاء.
الثاني: أن تكون (أن) بمعني أي لأنه تفسير ما أوحي إليه. " فإذا هي تلقف ما يأفكون " معنى تلقف تبتلع تناولا بفيها بسرعة منها، فهي تلتقمه استراطا حالا فحالا قال الشاعر:
وأنت عصى موسى التي لم تزل * تلقف ما يأفكه الساحر (1)
يقال: لقفته ألقفه لقفا ولقفانا، ولقفته ألقفه وتلقفته تلقفا إذا أخذته في الهواء. ومن قرأ بتشديد التاء قال: أصله تتلقف فادغم احدى التائين في الأخرى بعد أن سكن الثانية. ومن خفف القاف أخذه من لقفته. ومن شددها قال: هو من تلقف. وقوله " ما يأفكون " فالإفك هو قلب الشئ عن وجهه، ومنه " المؤتفكات " (2) المنقلبات. والافك الكذب لأنه قلب المعنى عن جهة الصواب. وقال مجاهد: " ما يأفكون " أي يكذبون. وفي الآية حذف، وتقديره فألقى عصاه فصارت حية " فإذا هي تلقف ما يأفكون " والمعنى إنها تلقف المأفوك الذي حل فيه الافك، وعلى هذا يحمل قوله تعالى " والله خلقكم وما تعملون " (3) ومعناه وما تعملون فيه. وقوله " فوقع الحق " معناه ظهر الحق - في قول الحسن ومجاهد - وأصل الوقوع السقوط كسقوط الحائط والطائر تقول: وقع يقع وقعا ووقوعا وأوقعه ايقاعا، ووقع توقيعا وتوقع توقعا وأوقعه مواقعة، والميقعة المطرقة. والواقعة النازلة من السماء، والوقائع الحروب. قال الرماني: الوقوع ظهور الشئ بوجوده نازلا إلى مستقره. و (الحق) كون الشئ في موضعه الذي اقتضته الحكمة. والحق موافق لداعي الحكمة، ولذلك يقال وقع الشئ في حقه. و (الباطل) الكائن بحيث يؤدي إلى الهلاك، وهو نقيض الحق، فالحق كون الشئ بحيث يؤدي إلى النجاة. والعمل تصيير الشئ على خلاف ما كان اما بايجاده أو بايجاد معنى فيه ومثله التغيير. و (ما) في قوله " ما كانوا يعملون " يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون بمعنى المصدر، والتقدير وبطل عملهم.
الثاني: أن يكون بمعنى الذي وتقديره وبطل الحبال والعصي التي عملوا بها السحر. و (ما) إذا كانت بمعنى المصدر لا تعمل عمل (إن) إذا كانت بمعنى المصدر، لامرين:
أحدهما: أن (ما) اسم، والاسم لا يعمل في الفعل.
والآخر: أن تنقل الفعل نقلين إلى المصدر والاستقبال تقول: يعجبني ما تصنع، ويعجبني أن تصنع الخير.
1- تفسير الطبري 7 / 260 والفتح القدير (تفسير الشوكاني) 2 / 221 وروايتهما (تلقم) بدل (تلقف) وهو في مجمع البيان 2 / 460 (تلقف).
2- سورة 52 النجم آية 53.
3- سورة 37 الصافات آية 96.