الآيات 79-84

قوله تعالى: ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ، وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ، وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ، فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾

لما اخبر الله تعالى عن أصحاب الأيكة أنهم كذبوا رسل الله، اخبر بأنه انتقم منهم بأن أهلكهم ودمر عليهم. وفرق الرماني بين الانتقام والعقاب، فقال: الانتقام نقيض الانعام، والعقاب نقيض الثواب، فالعقاب مضمن بأنه على المعصية، والانتقام مطلق، وهو - ههنا - على المعاصي، لان الاطلاق يصلح فيه التقييد: بحذف الإضافة. وقوله " وإنهما " يعني قريتي قوم لوط، وأصحاب الأيكة، لبطريق يؤم ويتبع ويهتدى به - في قول ابن عباس ومجاهد والضحاك والحسن - وقال أبو علي الجبائي " لبإمام " وهو الكتاب السابق الذي هو اللوح المحفوظ، ثابت ذلك فيه ظاهر. والامام - في اللغة - هو المقدم الذي يتبعه من بعده وإنما كانا بإمام مبين، لأنهما على معنى يجب ان يتبع، فيما يقتضيه ويدل عليه، والمبين الظاهر. وقوله " ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين " اخبار منه تعالى ان أصحاب الحجر، وهي مدينة - في قول ابن شهاب، وسموا أصحاب الحجر، لأنهم كانوا سكانه، كما تقول: أصحاب الصحراء. " كذبوا " أيضا الرسل الذين بعثهم الله إليهم، وجحدوا نبوتهم: وقال قتادة: هم أصحاب الوادي، وهو من الحجر الذي هو الحظر. وأخبر تعالى انه اتاهم الله الدلالات والمعجزات الدالة على توحيده وصدق أنبيائه، فكانوا يعرضون عنها ولا يستدلون بها، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ينقرون نقرا يأمنون فيها من الخراب. وقيل آمنين من سقوطها عليهم. وقيل كانوا آمنين من عذاب الله وقيل: من الموت. ونصبه على الحال. فأخبر تعالى ان هؤلاء " اخذتهم الصيحة مصبحين " اي جاءتهم الصيحة وقت دخولهم في الصباح، ولم يغنهم " ما كانوا يكسبون " من الملاذ القبيحة. والغنى وجود ما ينتفي به الضرر عنهم.