الآيات 111-112

قوله تعالى: ﴿قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة إلا عاصما " سحار " بتشديد الحاء وألف بعدها. الباقون (ساحر) بألف قبل الحاء على وزن (فاعل) وقرأ عاصم إلا يحيى وحمزة " أرجه " بسكون الهاء من غير همزة. وقرأ أهل البصرة والداحوني عن هشام ويحيى بالهمزة، وضم الهاء من غير اشباع. وقرأ ابن كثير والحلواني عن هشام كذلك إلا أنهما وصلا الهاء بواو في اللفظ، وروى ابن ذكوان بالهمز وكسر الهاء من غير اشباع. وقرأ أبو جعفر من طريق بن العلاف وقالون والمسيبي بكسر الهاء من غير اشباع، وبغير همز. الباقون وهم الكسائي وخلف وإسماعيل وورش، وأبو جعفر من طريق النهر واني بكسر الهاء ووصلها بياء في اللفظ من غير همز، وكذلك اختلافهم في الشعراء. والهمزة لغة قيس وغيرهم، وترك الهمزة لغة تميم وأسد يقولون: أرجيت الامر، وقال أبو زيد: أرجيت الامر إرجاء إذا أخرته. وقوله تعالى " أرجيه " أفعله من هذا، ولابد من ضم الهاء مع الهمزة، لا يجوز غيره، والا يبلغ الواو أحسن، لان الهاء خفية فلو بلغ بها الواو لكان كأنه قد جمع بين ساكنين، ألا ترى أمن قال: رده يا فتى بضم الدال إذا وصل بالهاء في ضمير المؤنث، قال ردها ففتح، كما تقول رد لخفاء الهاء، وكذلك " أرجهه " لا ينبغي أن يبلغ بها الواو فيصير كأنه جمع بين ساكنين، ومن ألحق الواو فلان الهاء محركة ولم يلتق ساكنان لان الهاء فاصل، قال (أرجيهوا) كما يقال (أضربهو) فلو كان الياء حرف لين، لكان وصلها بالواو أقبح نحو (عليهو) لاجتماع حروف متقاربة مع أن الهاء ليست بحاجز قوي في الفصل، واجتماع المتقاربة كاجتماع الأمثال. قال أبو علي الفارسي: من وصل الهاء ب? (يا)، فلان هذه الهاء توصل في الادراج بواو، أو ياء، نحو (بهي) أو (بهو) و (ضربهو) ولا تقول في الوصل (به) ولا (به) ولا (ضربه) حتى تشبع فتقول " بهو " ما علم (بهي) الا في ضرورة الشعر كقوله: وماله من مجلد يلبد وقال: ومن كسر الهاء مع الهمز، فقد غلط وإنما يجوز إذا كان قبله ياء فقال " أرجيه " بكسر الهاء، ولم يستقم، لأن هذه الياء في تقدير الهمزة، فكما لم يدغم الواو إذا خففت الهمزة لان الواو في تقدير الهمزة كذلك لا يحسن تحريك الهاء بالضم مع الياء، المنقلبة عن الهمزة، وقياس من قال (رويا) فادغم أن يحرك الياء أيضا بالضم، وعلى هذا المسلك من قال (يتيهم إذا كسر الهاء مع قلب الهمزة ياء، قال: ومعنى " أرجه " أخره، وقال قتادة: معناه إحبسه، يقال أرجأت الامر إرجاء ومنه قولهم: المرجئة، وهم الذين يجيزون الغفران لمرتكبي الكبائر من غير توبة. قال الرماني: لا وجه لقراءة حمزة عند البصريين في القياس، ولا الاستعمال على لغة من همز، وقال الزجاج إسكان هاء الضمير لا يجوز عند حذاق النحويين، وأجاز الفراء ذلك، قال يقولون: هذه طلحة أقبلت، وأنشد قول الراجز:

أنحى علي الدهر رجلا ويدا * يقسم لا يصلح إلا أفسدا

فيصلح اليوم يفسده غدا (1)

وزعم أن اسكان هاء التأنيث جائز وأنشد:

لما رأى أن لا دعه ولا شبع * مالي إلى؟؟ حقف فاضطجع (2)

وقال الآخر:

لست لزعبلة إن لم أغير * بكلتي إن لم أساو بالطول (3)

كلتي معناه طريقتي، و (الطول) جمع امرأة طولى، قال الزجاج: هذا الشعر الذي أنشده الفراء لا يعرف، ولا وجه له، وإنما لم يلين أبو عمرو الهمزة الساكنة على أصله في تخفيف الهمزة لان سكونه علامة للجزم، فلا يترك همزه، لان التسكين عارض وكذلك " مؤصدة " لا يترك همزه، لأنه يخرج من لغة إلى لغة. والأخ هو من النسب بولادة الأدنى من أب أو أم أو منهما ويقال الأخ الشقيق ويسمى الصديق الأخ تشبيها بالنسيب فأما الموافق في الدين فإنه أخ بحكم الله في قوله " إنما المؤمنون أخوة " (4). ومعنى الآية أن قوم فرعون أشاروا عليه بأن يؤخر موسى وأخاه إلى أن يرسل في بلاد مملكته حاشرين، وقال ابن عباس: هم الشرط، وقال مجاهد والسدي: يحشرون من يعلمونه من السحرة والعالمين بالسحر ليقابل بينهم وبين موسى جهلا منهم بأن ذلك ليس بسحر، ومثله في عظم الاعجاز لا تتم فيه الحيلة، لان السحر هو كل أمر يوهموه على من يراه، ولا حقيقة له، وإنما يشتبه ذلك على الجهال والأغبياء دون العقلاء المحصلين. وقوله " يأتوك بكل ساحر عليم " (يأتوك) جزم، لأنه جواب الامر، والمعنى إن ترسل يأتوك، وحجة من قال " ساحر " قوله " ما جئتم به " السحر " (5) والفاعل من السحر ساحر، ويقويه قوله " فألقى السحرة " ساجدين " (6) والسحرة جمع ساحر، ولأنه قال " سحروا أعين الناس " (7) واسم الفاعل ساحر، ومن قرأ " سحار " فلانه وصف ب? (عليم)، ووصفه به يدل على تناهيه فيه وحذقه، فحسن لذلك أن يذكر بالاسم الدال على المبالغة. والاتيان هو الانتقال إلى مطلوب، ومثله المجئ أتى يأتي إتيانا وأتي يؤتى إيتاء إذا أعطي، وإنما دخلت (كل) وهي للعموم على واحد، لأنه في معنى الجمع، كأنه قال بكل السحرة إذا أفردوا ساحرا ساحرا. والفرق بينه وبين كل السحرة أنه إذا قيل بكل السحرة، فالمعنى المطلوب للجميع، وإذا قيل: بكل ساحر، فالمعنى المطلوب لكل واحد منهم، ويبين ذلك قول القائل: لكل ساحر درهم، ولكل السحرة درهم، فان الأول يفيد أن لكل واحد درهما، والثاني أن الجميع لهم درهم. والباء في قوله " بكل " قيل فيه قولان:

أحدهما: انه للتعدية كما يعدى بالألف، ومنه ذهبت به وأذهبته وأتيت به وأتيته.

الثاني: أنها بمعنى (مع) أي يأتون ومعهم كل ساحر عليم.


1- قائله دويد بن زيد بن نهد القضاعي وهو أحد المعمرين أنظر طبقات فحول الشعراء: 180 والمعمرين: 20 ومعاني القرآن للفراء 1 / 388 وتفسير الطبري 13 / 21 وأمال الشريف المرتضى 1 / 137.

2- اللسان (ضجع) وتفسير الطبري 13 / 21 ومعاني القرآن للفراء 1 / 388 وهو يصف ذئبا قد قطع أمله من أن ينال الظبي، ولم يجد ما يشبعه فلما يئس أضطجع بقرب شجرة.

3- معاني القرآن 1 / 388.

4- سورة 48 الحجرات آية 10.

5- سورة 10 يونس آية 81.

6- سورة 26 الشعراء آية 46.

7- سورة 7 الأعراف آية 115.