الآيات 107-108
قوله تعالى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ﴾
هذا اخبار من الله تعالى عن القاء موسى عصاه، والعصا عود كالقضيب يابس وأصله الامتناع بيبسه يقال: عصى يعصي إذا أمتنع قال الشاعر:
تصف السيوف وغيركم يعصي بها * يا بن القيون وذاك فعل الصيقل (1)
وقيل: عصى بالسيف إذا أخذه أخذه العصا، ويقال لمن استقر بعد تنقل: ألقي عصاه، قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما فر عينا بالإياب المسافر (2)
والعصى من بنات الواو، والمعصية من بنات الياء قال الشاعر:
فجاءت بنسج العنكبوت كأنه * على عصويها سابري مشبرق (3)
وتقول عصى يعصي فهو عاص مثل رمى يرمي واصل ألقى من اللقاء الذي هو الاتصال، فألقى عصاه أي أزال اتصالها عما كان، ومنه التقاء الحدين يعني اتصالهما، والملاقاة كالمماسة، وزيدت ألف ألقي لتدل على هذا المعنى وإنما صارت الياء ألفا في ألقي، لأنها في موضع حركة قبلها فتحة، ولذلك رجعت إلى أصلها في ألقيت. وإنما وجب هذا، لأنه بمنزلة التضعيف في موضع يقوى فيه التغيير مع نقل الحركة في حروف العلة. وقوله " فإذا هي ثعبان " فالثعبان هو الحية الضخمة الطويلة. وقال الفراء: الثعبان أعظم الحيات، وهو الذكر، وهو مشتق من ثعبت الماء أثعبه ثعبا إذا فجرته. والمثعب موضع انفجار الماء، فسمي الثعبان، لأنه يجري كعنق الماء عند الانفجار قال الشاعر:
على نهج كثعبان العرين
وقيل: إن ذلك الثعبان فتح فاه، وجعل فيه فرعون بين نابيه فارتاع فرعون واستغاث بموسى أن يأخذ، ففعل - في قول ابن عباس والسدي وسفيان - ومعنى " مبين " أي بين أنه حية لا لبس فيه. وقوله " ونزع يده " فالنزع هو إزالة الشئ عن مكانه الملابس له المتمكن فيه كنزع الرداء عن الانسان، والنزع والقلع والجذب نظائر، واليد معروفة وهي الجارحة المخصوصة، واليد النعمة، لأنها بمنزلة ما اشتدت بالجارحة، وقد يكون اليد بمعنى تحقيق الإضافة في الفعل، لأنه بمنزلة ما عمل باليد التي هي جارحة. وقوله " فإذا هي بيضاء للناظرين " معنى (إذا) - هنا - المفاجأة. وهي بخلاف (إذا) التي للجزاء، قال الزجاج هي من ظروف المكان مثل (ثم، وهناك)، والمعنى بيضاء المناظرين هناك، والبيضاء ضد السوداء وهو أن يكون به المحل أبيض، وكان موسى (ع) أسمر شديد السمرة. وقيل: أخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء " من غير سوء " (4) يعني برص. ثم أعادها إلى كمه فعادت إلى لونها الأول - في قول ابن عباس ومجاهد والسدي - وقال أبو علي: كان فيها من النور والشعاع ما لم يشاهد مثله في يد أحد والناظر هو الطالب لرؤية الشئ ببصره لان النظر هو تطلب الادراك للمعنى بحاسة من الحواس، أو وجه من الوجوه.
1- قائله جرير، ديوانه: 175 واللسان والتاج (عصا).
2- اللسان والتاج (عصا) وقال ابن بري: هذا البيت لابن عبد ربه السلمي.
3- قائله ذو الرمة ديوانه 76، واللسان (عصا) ومجمع البيان 2 / 456.
4- سورة 20 طه آية 22 وسورة 27 النمل آية 12 وسورة 28 القصص آية 38.