الآيات 51-54

قوله تعالى: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ، إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ، قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ، قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾

القراءة:

قرأ نافع " تبشرون " بكسر النون مع التخفيف بمعنى تبشرونني وحذف النون استثقالا، لاجتماع المثلين، وبقيت الكسرة الدالة على الياء المفعولة، والنون الثانية محذوفة، لان التكرير بها وقع، ولم تحذف الأولى لأنها علامة الرفع ومثله قول الشاعر:

تراه كالثغام يعل مسكا * بسوء الغاليات إذا قليني (1)

أراد قلينني، فحذف إحدى النونين. وقال أهل الكوفة: ادغم ثم حذف، وحجتهم " وكادوا يقتلونني " (2) وقوله " أتعدانني " (3) فأظهر النونات، وأما حرف المشدد نحو " تأمروني " (4) و " أتحاجوني " (5) وما أشبه ذلك. وشدد النون وكسرها ابن كثير. الباقون بفتح النون. قال أبو علي: من شدد النون أدغم النون الأولى التي هي علامة الرفع في الثانية المتصلة بالياء التي للمضمر المنصوب للمتكلم، وفتحها، لأنه لم يعد الفعل إلى مفعول به، كما عداه غيره. وحذف المفعول كثير. ولو لم يدغم، وبين، كان حسنا في القياس مثل (يقتلونني) في جواز البيان والادغام. ومن فتح النون جعلها علامة الرفع، ولم يعد الفعل فيجتمع نونان. أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يخبر من تقدم ذكره " عن ضيف إبراهيم " والضيف هو المنضوي إلى غيره لطلب القرى، وجمعه ضيوف وأضياف وضيفان " إذ دخلوا عليه " يتعلق ب? (ضيف) وضيف يقع على الواحد والاثنين والجمع، فلذلك قال " إذ دخلوا عليه " فكنى بكناية الجمع. وسماهم ضيفا، وهم ملائكة، لأنهم دخلوا بصورة البشر " فقالوا سلاما " نصبه على المصدر، والمعنى سلمت سلاما على وجه الدعاء، والنحية. ومثله قوله " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " (6) والمعنى سلمنا منكم سلاما، والسلامة نقيض البلاء والآفة المخوفة، والنجاة نقيض الهلاك. وقوله " قال إنا منكم وجلون " اخبار عما أجاب به إبراهيم ضيفانه بأنه خائف منهم، والوجل الخوف، فأجابه الضيفان، وقالوا " لا توجل " أي لا تخف انا جئناك " نبشرك بغلام عليم ". والتبشير الاخبار بما يسر، بما يظهر في بشرة الوجه سرورا به يقال: بشرته أبشره بشارة وأبشر إبشارا بمعنى استبشر، وبشرته تبشيرا، وإنما وصفه بأنه " عليم " قبل كونه، لدلالة البشارة به على أنه سيكون بهذه الصفة، لأنه إنما بشر بولد يرزقه الله إياه ويكون عليما، فقال لهم إبراهيم " أبشرتموني على أن مسني الكبر " اي كيف يكون لي ولد وقد صرت كبيرا، لان معنى " مسني الكبر " أي غيرني الكبر عن حال الشباب التي يطمع معها في الولد، إلى حال الهرم. وقيل في معناه قولان:

أحدهما: انه عجب من ذلك لكبره، فقاله على هذا الوجه.

الآخر: انه استفهم فقال: أأمر الله ان تبشرونني، في قول الجبائي. ومعنى (على أن مسني) أي بأن مسني، كما قال " حقيق على أن لا أقول " (7) بمعنى بأن لا أقول.


1- قائله عمر بن معد يكرب. الكتاب لسيبويه 2: 67 وشرح المفضليات 78 والانصاف 377 ومجاز القرآن 1: 352 ومجمع البيان 3: 339.

2- سورة 7 الأعراف آية 149.

3- سورة 46 الأحقاف اية 17.

4- سورة 39 الزمر اية 64.

5- سورة الأنعام اية 80،.

6- سورة 25 الفرقان اية 63.

7- سورة 7 الأعراف آية 104.