الآية 103
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾
أخبر الله تعالى في هذه الآية انه بعد ارسال من ذكر قصته من الأنبياء، وكفر قومهم، وانزال عذابه بهم. فالهاء والميم يجوز أن يكون كناية عن الأنبياء الذين جرى ذكرهم، ويحتمل أن يكون كناية عن الأمم التي - قد تقدم ذكرهم واهلاكهم - بعث إليهم موسى وأرسله إليهم. والبعث الارسال وهو في الأصل النقل باعتماد يوجب الاسراع إلى الشئ، فمنه قوله " انظرني إلى يوم يبعثون " (1) أي من القبور، ومنه قوله " ثم بعثناكم من بعد موتكم " (2) أي نقلناكم إلى حال الحياة، وكذلك نقلنا موسى عن حاله بالارسال إلى فرعون وملائه " بآياتنا " يعني بحججنا وبراهيننا. وقوله " فظلموا بها " معناه ظلموا أنفسم بجحدها، لان الظلم بالشئ على وجوه: منها السبب والآلة والجهة، نحو ظلم بالسيف الذي قتل به الناس، وظلم بذنبه له، وظلم بغصبه المال، وظلم بجحده الحق. وقيل " ظلموا بها " أي جعلوا بدل الايمان الكفر بها، لان الظلم وضع الشئ في غير موضعه الذي هو حقه. وقوله " فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " معنى النظر هو محاولة التصور للشئ بالفكر فيه، وهو طلب ادراك المعنى بالتأويل له. وقيل: هو تحديق القلب إلى المعنى لادراكه، وكأنه قيل فانظر - يعني بالقلب - كيف كان عاقبتهم، وموضع (كيف) نصب لأنه خبر (كان) وتقديره انظر أي شئ كان عاقبة المفسدين.
1- سورة 7 الأعراف آية 13 وسورة 15 الحجر آية 36 وسورة 38 ص آية 79.
2- سورة 2 البقرة آية 56.