الآية 100

قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾

قيل في فاعل " يهد " من جهة الاعراب قولان:

أحدهما: انه مضمر كأنه قيل: أولم يهد الله لهم، وقوي ذلك بقراءة من قرأ بالنون على ما ذكره الزجاج.

الثاني: أو لم يهد لهم مشيؤنا، لان " أن لو نشاء " في موضعه والتقدير أو لم يكن هاديا لهم استئصالنا لمن أهلكناه. وقيل في معنى الهداية - ههنا - قولان:

أحدهما: قال ابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد: يهدي لهم يبين لهم.

الثاني: أن الهداية الدلالة المؤدية إلى البغية، والمعنى أولم نبين للذين متعناهم في الأرض بعد إهلاكنا من كان قبلهم فيها. وجعلنا آباءهم المالكين. لها بعدهم، انا لو شئنا أصبناهم بعقاب ذنوبهم وأهلكناهم بالعذاب كما أهلكنا الأمم الماضية قبلهم. وقوله " للذين يرثون الأرض من بعد أهلها " فالإرث ترك الماضي للباقي ما يصير له بعده، وحقيقة ذلك في الأعيان التي يصح فيها الانتقال، وقد استعمل على وجه المجاز في الاعراض، فقيل: العلماء ورثة الأنبياء لأنهم تعلموا منهم، وقاموا بما أدوه إليهم. وقوله " ان لو نشاء أصبناهم بذنوبهم " الإصابة ايقاع الشئ بالغرض المنصوب، وضده الخطأ وهو ايقاع الشئ بخلاف الغرض المطلوب. وقوله " ونطبع على قلوبهم " قيل في معنى الطبع - ههنا - قولان:

أحدهما: الحكم بأن المذموم كالممنوع من الايمان لا يفلح، وهو أبلغ الذم.

الثاني: انه علامة وسمة في القلب من نكتة سوداء ان صاحبه لا يفلح تعرفه الملائكة. وحكي عن البكرية في تأويل هذه الآية ان معنى الآية لو نشاء طبعنا على قلوبهم، وانكر أبو علي ذلك، وقال: هذا غلط لان معنى قوله: اني لو شئت أصبتهم بعقاب ذنوبهم وأهلكتهم كما أهلكت الأمم قبلهم بعقوبة ذنوبهم، فلا يجوز ان يعني اني لو شئت أهلكتهم فلا يتهيأ لهم ان يسمعوا بعد اهلاكهم، لان من المعلوم للعقلاء أجمع ان الموتى لا يسمعون، ولا يقبلون الايمان. وقوله " ونطبع على قلوبهم " إنما هو استئناف وخبر منه أنه يفعل ذلك، ولم يرد أني لو شئت لطبعت لأنه بين في هذه الآية وغيرها انه مطبع على قلوب الكافرين، كقوله " بل طبع الله عليها " يعني على القلوب " بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا " (1) أي الا قليلا منهم، لان أهل الطبع قد يؤمن بعضهم، وهو خلاف قول الحسن، فان تأويله عنده الا ايمانا قليلا. وقال الزجاج: هو على الاستئناف، لأنه لو كان محمولا على أصبنا لكان وجه الكلام ولطبعنا، وهو قول الفراء. وقوله " فهم لا يسمعون " أي لا يقبلون الايمان مع هدايتنا لهم وتخويفنا إياهم. وفائدة الآية الانكار على الجهال تركهم الاعتبار بمن مضى من الأمم قبلهم، وانه قد طبع على قلوب من لا يفلح منهم عيبا، وذما لهم. وقال البلخي: شبه الله تعالى الكفر بالصدى الذي يركب المرآة والسيف لأنه يذهب عن القلوب بحلاوة الايمان ونور الاسلام، كما يذهب الصدى بنور السيف، وصفاء المرآة، ولما صاروا عند امر الله لهم بالايمان إلى الكفر جاز ان يضيف الطبع إلى نفسه، كما قال " زادتهم رجسا إلى رجسهم " (2) وان كانت السورة لم تزدهم ذلك.


1- سورة 4 النساء آية 154.

2- سورة 9 التوبة 126.