الآيات 28-31

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ، فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾

لفظة (إذ) تدل على ما مضى من الزمان، ولابد لها من فعل متعلق به، والتقدير واذكر يا محمد " إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا " اي اخلقه فيما بعد، قبل ان يخلقه، والمراد بالبشر آدم، وسمي بشرا لأنه ظاهر الجلد، لا يرى فيه شعر، ولا صوف كسائر الحيوان. ثم قال " من صلصال من حما مسنون " وقد فسرناه. وقوله " فإذا سويته " معناه سويت صورته الانسانية، والتسوية جعل واحد من الشيئين على مقدار الآخر وقد يسوى بين الشيئين في الحكم. وقوله: " ونفخت فيه من روحي " فالنفخ الاجراء لريح في الشئ باعتماد، نفخ ينفخ إذا اجرى الريح باعتماد، فلما أجرى الله الروح على هذه الصفة في البدن، كان قد نفخ الروح فيه، وأضاف روح آدم إلى نفسه تكرمة له، وهي إضافة الملك، لما شرفه وكرمه، والروح جسم رقيق روحاني فيها الحياة التي بها يجئ الحي، فإذا خرجت الروح من البدن، كان ميتا في الحكم، فإذا انتفت الحياة من الروح، فهو ميت في الحقيقة. وقوله " فقعوا له ساجدين " أمر من الله تعالى، إلى الملائكة ان يسجدوا لآدم. وقيل في وجه سجودهم له قولان:

أحدهما: انه سجود تحية وتكرمة لآدم، عبادة لله تعالى.

وقيل: أنه على معنى السجود إلى القبلة. والأول عليه أكثر المفسرين. ثم استثنى من جملتهم إبليس انه لم يسجد، " وأبى أن يكون مع الساجدين " لآدم. وإبليس مشتق من الابلاس، وهو اليأس من روح الله إلا أنه شبه بالأعجمي من جهة انه لم يستعمل إلا على جهة العلم، فلم يصرف. وقال قوم: إنه ليس بمشتق، لأنه أعجمي بدلالة انه لا ينصرف. والاباء: الامتناع، والسجود خفض الجبهة بالوضع على بسط من الأرض أو غيره، واصله الانخفاض قال الشاعر: ترى الاكم فيها سجدا للحوافر (1) واختلفوا في هذا الاستثناء، فقال قوم: ان إبليس كان من الملائكة، فلذلك استثناه، وقال آخرون: إنما كان من جملة المأمورين بالسجود لآدم، فلذلك استثناه من جملتهم، وقال آخرون: هو استثناء منقطع ومعناه (لكن) وقد بينا الصحيح من ذلك في سورة البقرة (2) ومن قال: لم يكن من الملائكة قال: الملائكة خلقوا من نور، وإبليس خلق من نار، والملائكة لا يعصون، وإبليس عصى بكفره بالله. والملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا تنكح، وإبليس بخلاف ذلك، قال الحسن: إبليس أب الجن، كما أن آدم أب الانس.


1- مر هذا الشعر في: 148، 263، 311، 4: 233، 383، 6: ..

2- انظر 1: 147 في تفسير آية 34 من سورة البقرة.