الآيات 16-18
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ، وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ، إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ﴾
أخبر الله تعالى أنه جعل في السماء بروجا. والجعل قد يكون تصيير الشئ عن صفة لم يكن عليها. وقد يكون بالايجاد له. والله تعالى قادر ان يجعل في السماء بروجا من الوجهين، والبرج: ظهور منزل ممتنع بارتفاعه، فمن ذلك برج الحصن، وبرج من بروج السماء الاثني عشر، وهي منازل الشمس والقمر. وأصله الظهور، يقال: تبرجت المرأة إذا أظهرت زينتها. وقال الحسن ومجاهد وقتادة: المراد بالبروج النجوم. وقوله " وحفظناها من كل شيطان رجيم " يحتمل أن تكون الكناية راجعة إلى السماء، والى البروج. وحفظ الشئ جعله على ما ينفي عنه الضياع، فمن ذلك حفظ القرآن بدرسه ومراعاته، حتى لا ينسى، ومنه حفظ المال بإحرازه بحيث لا يضيع بتخطف الأيدي له، وحفظ السماء من كل شيطان بالمنع بما أعد له من الشهاب. والرجم بمعنى المرجوم، والرجم الرمي بالشئ بالاعتماد من غير آلة مهيأة للإصابة، فان النفوس يرمى عنها ولا ترجم. وقوله " الامن استرق السمع " معنى (الا) (لكن) فكأنه قال: لكن من استرق السمع من الشيطان يتبعه شهاب مبين قال الفراء: أي لا يخطئ، وقال المفسرون: قوله " إلا من استرق السمع " مثل قوله " إلا من خطف الخطفة " (1) ومعناه معناه، والاستراق أخذ الشئ خفيا، وليس طلبهم استراق السمع مع علمهم بالشهب خروج عن العادة في صفة العقلاء، لأنهم قد يطمعون في في السلامة من بعض الجهات، والشهاب عمود من نور يمد لشدة ضيائه كالنار وجمعه شهب. وقال ابن عباس: بالشهاب يخبل ويحرق، ولا يقتل. وقال الحسن: يقتل قال ذو الرمة:
كأنه كوكب في إثر عفرية * مسوم في سواد الليل منقضب (2)
والاتباع إلحاق الثاني بالأول، أتبعه اتباعا، وتبعه يتبعه إذا طلب اللحاق به، وكذلك اتبعه اتباعا بالتشديد " مبين " اي ظاهر مبين. وقال الفراء: قوله " إلا من استرق السمع " استثناء صحيح، لان الله تعالى لم يحفظ السماء ممن يصعد إليها ليسترق السمع، ولكن إذا سمعه وألقاه إلى الكهنة اتبعه شهاب مبين، فأما استراقهم السمع، فقال المفسرون: إن فيهم من كان يصعد السماء فيسمع الوحي من الملائكة، فإذا نزل إلى الأرض اغوى به شياطينه أو ألقاه إلى الكهان، فيغوون به الخلق، فلما بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم منعهم من ذلك، وكان قبل البعثة لم يمنعهم من ذلك تغليظا في التكليف. قال الزجاج: والدليل على أنه لم يكن ذلك قبل النبي ان أحدا من الشعراء لم يذكره قبل بعثة لنبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة ذكرهم الشهب بعد ذلك.
1- سورة 37 الصافات آية 10.
2- مجمع البيان 3 / 330 واللسان قضب).