الآيات 97-98

قوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ، أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر (أو) بسكون الواو الا ان ورشا على أصله في القاء حركة الهمزة على الساكن فتصير قراءته مثل قراءة الباقين. الألف في قوله " أفأمن أهل " ألف الانكار، أنكر عليهم ان يأمنوا، وإنما دخل حرف الاستفهام معنى الانكار لظهور المعنى فيه، وان الجواب عنه لا يكون الا بالنفي. والفاء في قوله " أفأمن " فاء العطف دخل عليها حرف الاستفهام، وإنما جاز ذلك مع منافاة العطف للاستئناف، لأنهما إنما يتنافيان في المفرد، لان الثاني إذا عمل فيه الأول كان من الكلام الأول، والاستئناف قد أخرجه عن أن يكون منه. واما في عطف جملة على جملة فيصح، لأنه على استئناف جملة بعد جملة. و (الامن) سكون النفس إلى الحال المنافية لانزعاجها. والامن والثقة والطمئنية نظائر في اللغة، وضد الامن الخوف، وضد الثقة الريبة، وضد الطمأنينة الانزعاج. والامن الثقة بالسلامة من الخوف. والبأس العذاب، والبؤس الفقر والأصل الشدة، ورجل بئس شديد في القتال، ومنه قولهم: بئس الرجل زيد، معناه شديد الفساد. والنوم نقيض اليقظة. والنوم سهو يغمر القلب ويغشي العين ويضعف الحس وينافي العلم. نام الرجل ينام نوما وهو حسن النيمة إذا كان حسن هيئة النوم، ورجل نومة - بسكون الواو - إذا كان خسيسا لا يؤبه به - ذكره الزجاج - ورجل نومة - بفتح الواو - كثير النوم، والنيم: فرو النوم، لأنه يغشي كما يغشي النوم أو لأنه من شأنه أن ينام فيه. ومعنى الآية الإبانة عما يجب أن يكون عليه العبد من الحذر لبأس الله وسطوته، بالمسارعة إلى طاعته واتباع مرضاته. والمعني بقوله " أهل القرى " هم أهل القرى الظالم أهلها، والمقيمون على معاصي الله في كل وقت وكل أوان، وان نزلت بسبب أهل القرى الظالم أهلها المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وآله. وقوله " أو أمن أهل القرى " إنما قال - ههنا - بالواو، وفي الآية الأولى بالفاء، لان الفاء تدل على أن الثاني أدى إليه الأول، كأنه قيل: أفأمنوا أن يأتيهم بأس الله من أجل ما هم عليه من تضييع امر الله، لأنه يشبه الجواب، وليس كذلك الواو بل هي لمجرد العطف، وإنما دخلت ألف الاستفهام عليها للانكار على ما بيناه، والواو مفتوحة في " أو أمن " لأنها واو العطف دخل عليها حرف الاستفهام، وإنما فتحت لأنها أخف الحركات، ولمثل ذلك فتحت ألف الاستفهام وكسرت باء الإضافة ولامها، لأنهما حرفان لازمان لعمل الجر. ومن قرأ هذه القراءة قال لأنها أشبه بما قبلها وما بعدها، لأنه قال قبلها " أفأمن " وقال بعدها " أولم يهد " ومن سكن الواو أراد الاضراب عن الأول من غير أن يبطل الأول، لكن كقوله " ألم. تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه " (1) فجاء هذا على معنى أمنوا هذه الضروب من معاقبتهم والاخذ لهم. وان شئت جعلته مثل (أو) التي في قولك ضربت زيدا أو عمرا، كأنك أردت أفأمنوا احدى هذه العقوبات، و (أو) حرف يستعمل على ضربين:

أحدهما: بمعنى أحد الشيئين، كقولك: جاءني زيد أو عمرو، كما تقول: جاءني أحدهما، ومن ذلك قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، لأنه مخير في مجالسة أيهما شاء.

الثاني: أن يكون بمعنى الاضراب بعد الخبر كقولك: انا أخرج ثم تقول: أو أقيم، فتضرب عن الخروج وتثبت الإقامة، كأنك قلت: لا بل أقيم. ومن ثم قال سيبويه في قوله " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " (2) لو قلت ولا تطع كفورا انقلب المعنى، وإنما كان ينقلب المعنى لأنه لو كان للاضراب لجاز ان يطيع الاثم، وذلك خلاف المراد، لان الغرض لا تطع هذا الضرب، ولا تطع هؤلاء. و (الضحى) صدر النهار في وقت انبساط الشمس واصله الظهور من قولهم: ضحا الشمس يضحو ضحوا إذا ظهر، وفعل ذلك الامر ضاحية إذا فعله ظاهرا والا ضحية من هذا، لأنها تذبح عند الضحى يوم العيد، قال رؤبة:

هابي العشي ديسق ضحاؤه (3)

وقال آخر:

عليه من نسج الضحى شفوف (4)

فشبه السراب بالسور البيض. (واللعب) هو العمل للذة لا يراعى فيه الحكمة كعمل الصبي، لأنه لا يعرف الحكيم ولا الحكمة، وإنما يعمل للذة، واصله الذهاب على غير استقامة، كلعاب الصبي إذا سال على فيه، وإنما خص وقت الضحى بهذا الذكر، لأنهم بمنزلة لا يجوز لهم ان يأمنوا ليلا ولا نهارا - في قول الحسن - ولأنه ابتداء الدخول في الاستمتاع. ومعنى الآية البيان عن وجوب الاخذ بالجرم في كل ما لا يؤمنون معه هلاك النفس، لانكار الله عليهم ان يكونوا على حال الا من وقد ضيعوا الواجب من الامر.


1- سورة 32 ألم السجد آية 1 - 3.

2- سورة 76 الدهر آية 24.

3- اللسان (ضحا).

4- اللسان (ضحا).