الآيات 14-15

قوله تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وحده " سكرت " بالتخفيف. الباقون بالتشديد. قال أبو عبيدة: (سكرت) معناه غشيت. والمعنى في الآية سكرت الابصار، فلا ينفذ نورها، ولا تدرك الأشياء على حقيقتها، وكأن المعنى انقطاع الشئ عن سننه الجاري، فمن ذلك (سكره سكرا) إنما هو رده عن سننه، وقال: السكير في الرأي قبل ان يعزم على شئ، فإذا عزم على امر ذهب السكير وهو ان ينقطع عما عليه من المضاء في حال الصحو، فلا ينفذ رأيه على حد نفاذه في صحوه، ووجه التثقيل ان الفعل مسند إلى جماعة مثل قوله " مفتحة لهم الأبواب " (1) ووجه التخفيف ان هذا النحو من الفعل المسند إلى الجماعة قد يخفف، قال الشاعر: ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها (2) اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان هؤلاء الكفار لشدة عنادهم وغلظة كفرهم وتمردهم وعتوهم " لو فتحنا عليهم بابا من السماء " فصاروا " فيه يعرجون " والعروج الصعود في الهواء تعلقا به نحو السماء، عرج الملك يعرج عروجا، فلو عرج هؤلاء عروج الملك، لقالوا هذا القول. والتسكير إدخال اللطيف في المسام، ومنه السكر بالشراب، والسكر السد بالتراب " لقالوا إنما سكرت أبصارنا " بما ادخل فيها من اللطيف في مسامها، حتى منعنا من رؤية الأشياء على حقيقتها. وأصل السكر السد بما ادخل في المسام. وقال مجاهد والضحاك وابن كثير: معنى " سكرت " سدت قال المثنى بن جندل الطهوري:

جاء الشتاء واجثأل القنبر * واستخفت الأفعى وكانت تظهر

وطلعت شمس عليها مغفر * وجعلت عين الحرور تسكر (3)

اي تسد بشدة البرد، وقنبر وقنبر - بضم الباء وفتحها - لغتان، مثل جندب وجندب قال رؤبة:

قبل انصداع الفجر والتهجر * وخوضهن الليل حتى تسكر (4)

اي يسد بظلمته، وحكى الفراء: ان من العرب من يقول: سكرت الريح إذا سكنت. وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: المعنى " لو فتحنا عليهم بابا من السماء " فظلت الملائكة تعرج إلى السماء، وهم يرونها على ما اقترحوه، " لقالوا: إنما سكرت أبصارنا " وقال الحسن: يظل هؤلاء المشركون يعرجون فيه. " بل نحن قوم مسحورون " أي يقولون: سحرنا، فنحن مسحورون والسحر حيلة خفية، توهم معنى المعجزة من غير حقيقة، ولهذا من عمل بالسحر كان كافرا، لأنه يدعي المعجزة للكذابين، فلا يعرف نبوة الصادقين. وقال أبو عبيدة: سكرت أبصار القوم إذا أدير بهم، وغشيهم كالساتر فلم يبصروا. وروي ابن خالويه عن الزهري أنه قرأ " سكرت " بفتح السين وكسر الكاف، والتخفيف أي اختلطت وتغيرت عقولهم.


1- سورة ص 38 اية 50.

2- اللسان (غلق) نسبه إلى الفرزدق ولم أجده في ديوانه وروايته ما زلت افتح أبوابا وأغلقها * حتى اتيت أبا عمرو بن عمار.

3- مجاز القران 1 / 348 وتفسير الطبري 14 / 9 واللسان والتاج (سكر، قبر) وتفسير الطبري 14 / 8 ومجمع البيان 3 / 330 والشوكاني (الفتح القدير) 3 / 8، 11 (اجتأل) اجتمع، وتقبض، وانقبض. و (القنبر) و (القنبار) جمعه قنابر، وتقول: العامة: قنبرة. وهم جماعة يجتمعون لجر ما في الشباك من الصيد، وهي لغة عمانية. ومعنى (استخفت الأفعى) اي تخبأت الحية الكبيرة. بعد ان كانت تظهر. وطلعت الشمس عليها غيوم. و (الحرور) الريح الحارة.

4- تفسير الطبري 14 / 9.