الآيات 10-13

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ، وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ، كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ﴾

يقول الله (عز وجل) لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم تسلية له عن كفر قومه " لقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين " قال ابن عباس وقتادة: شيع الأمم واحدهم شيعة لمتابعة بعضهم بعضا في الأحوال التي يجتمعون عليها في الزمن الواحد من مملكة أو عمارة أو بادية أو نحو ذلك من الأمور الجارية في العادة، والمرسل محذوف لدلالة (أرسلنا) عليه. وقوله " وما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن " اخبار منه تعالى أنه لم يبعث رسولا فيما مضى الا وكانت أممهم تستهزئ بهم، واستهزاؤهم بهم حملهم عليهم واستبعادهم ما دعوا إليه واستيحاشهم منه، واستكبارهم له، حتى توهموا أنه مما لا يكون، ولا يصح مع مخالفته لما وجدوا عليه آباؤهم وأجدادهم واسلافهم، فكان عندهم كأنه دعا إلى خلاف المشاهدة والى ما فيه جحد الضرورة والمكابرة. والهزؤ إظهار ما يقصد به العيب على ايهام المدح، وهو بمعنى اللعب والسخرية. وقوله " كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين " قيل في معناه قولان:

أحدهما: كذلك نسلك القرآن الذي هو الذكر باخطاره على البال ليؤمنوا به، فهم لا يؤمون به، ماضين على سنة من تقدمهم، من تكذيب الرسل، كما سلكنا دعوة الرسل في قلوب من سلف من الأمم. ذهب إليه البلخي والجبائي.

وقال الحسن وقتادة: يسلك الاستهزاء بإخطاره على البال ليجتنبوه، ولو كان المراد أنه يسلك الشرك في قلوبهم، لكان يقول: انهم لا يؤمنون بالشرك ولو كانوا كذلك، كانوا محمودين غير مذمومين، يقال: سلكه فيه يسلكه سلكا وسلوكا، واسلكه أسلاكا، قال عدي بن زيد:

وكنت لزاز خصمك لم اعرد * وقد سلكوك في يوم عصيب (1)

وقال الآخر:

حتى إذا سلكوهم في قتائدة * شلاكما تطرد الجمالة الشردا (2)

ومعنى قوله: " وقد خلت سنة الأولين " اي في اهلاك من أقام على الكفر بالمعجزات بعد مجئ ما طلب من الآيات، ويحتمل أن يكون المراد وقد خلت سنة الأولين في تكذيب رسلهم والكفر بما جاؤوا به.


1- انظر 6: 38 تعليقة 1.

2- قائله عبد مناف بن ربع الهذلي ديوانه 2 / 42 وتفسير الطبري 14 / 7، 18 وتفسير القرطبي 12 / 119 ومجاز القرآن 1 / 37، 331 ومجمع البيان 3 / 330 ومعجم البلدان (قتائدة) واللسان والتاج (قتد) وقد مر في 1 / 128، 149 من هذا الكتاب.