الآية 92

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾

" الذين " الأولى في موضع رفع بأنه مبتدأ وخبره " كان لم يغنوا فيها " وهذه الآية إخبار من الله تعالى عن حال هؤلاء الكفار الذين كذبوا شعيبا. وشبههم بمن لم يغن فيها، ومعنى " لم يغنوا " لم يقيموا إقامة مستغن بها عن غيرها، والغاني النازل، والمغاني المنازل، وغنى بالمكان إذا أقام به يغني غناء وغنيا، وقال النابغة:

غنيت بذلك إذ هم لك جيرة * منها بعطف رسالة وتودد (1)

وقال آخر:

ولقد تغنى بها جيرانك * الممسكوا منك بعهد الوصال (2)

وقال رؤبة: وعهد مغني رمته بضلفعا (3) وقال حاتم طي:

غنينا زمانا بالتصعلك * فكلا سقاناه بكأسيهما الدهر

فما زادنا بغيا على ذي قرابة * غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر (4)

ووجه التشبيه في قوله " كأن لم يغنوا فيها " أن حال المكذبين يشبه حال من لم يكن قط في تلك الديار، لما أخذتهم الرجفة بالاهلاك، وهذا مما يتحسر عليه الناس أعظم الحسرة كما قال الشاعر:

كأن لم يكن بين الجحون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر (5)

وإنما أعيد ذكر (الذين) دفعة ثانية من غير كناية لتغليظ الامر في تكذيبهم شعيبا مع بيان أنهم الذين حصلوا على الخسران، لا من نسبوه إلى ذلك من أهل الايمان. و (هم) في قوله " هم الخاسرون " فصل، ويسميه الكوفيون عمادا، وإنما دخل الفصل مع أن المضمر لا يوصف، لأنه يحتاج فيه إلى التوكيد ليتمكن معناه في النفس، وان الذي بعده من المعرفة لا يخرجه ذلك من معنى الخبر، وإن كان الأصل في الخبر النكرة. وهذه الآية جواب لقولهم " لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون " فبين الله في هذه الآية أن الخاسرين هم الذين كذبوه لا الذين اتبعوه.


1- سيأتي هذا البيت في 5 / 417.

2- قائله عبيدة بن الأبرص ديوانه: 58 ومختارات ابن الشجري 2 / 37 والخصائص لابن جني 2 / 255.

3- ديوانه: 87 وتفسير الطبري 12 / 570.

4- مجمع البيان 2 (صيدا) 450 واللسان (صعلك).

5- قيل: إنه لعمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو. وقيل: هو للحارث الجرهمي اللسان (حجن).