الآيات 51-52

قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾

أخبر الله تعالى بأنه إنما فعل ما تقدم ذكره " ليجزي الله كل نفس " الذي كسبت إن كسبت خيرا أتاها الله بالنعيم الأبدي في الجنة، وإن كفرت وجحدت وكسبت شرا عاقبها بنار جهنم مخلدة فيها " إن الله سريع الحساب " اي سريع المجازاة. وقيل معنى " سريع الحساب " لا يشغله محاسبة بعضهم عن محاسبة آخرين. والكسب فعل ما يجلب به النفع للنفس أو يدفع به الضرر عنها. والكسب ليس بجنس الفعل، والله تعالى يقدر على مثله في الجنس. وقوله " هذا بلاغ " قال ابن زيد وغيره من المفسرين: هو إشارة إلى القرآن، ففيه بلاغ للناس، لان فيه البيان عن الانذار والتخويف، وفيه البيان عما يوجب الاخلاص بما ذكر من الانعام الذي لا يقدر عليه الا الله. وفي الآية حجة على ثلاث فرق: على المجبرة في الإرادة، لأنها تدل على أنه تعالى أراد من جميع المكلفين ان يعلموا " إنما هو إله واحد " وهم يزعمون أن أراد من النصارى ان يثلثوا، ومن الزنادقة ان يقولوا بالتثنية.

الثاني: حجة عليهم في أن المعصية لم يردها، لأنه إذا أراد منهم ان يعلموا أنه إله واحد، لم يرد خلافه من التثليث والتثنية الذي هو الكفر.

الثالث: حجة على أصحاب المعارف، لأنه بين أنه أراد من الخلق ان يتذكروا ويفكروا في دلائل القرآن التي تدلهم على أنه إله واحد. ثم أخبر تعالى انه إنما يتذكر " أولو الألباب " اي ذوو العقول، لان من لا عقل له لا يمكنه الذكر والاعتبار.