الآية 88
قوله تعالى: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾
أخبر الله تعالى في هذه الآية عن الملا، وهم الجماعة الاشراف والرؤساء من قوم شعيب الذين استكبروا، ومعناه امتنعوا من اتباع الحق أنفة عن الداعي إليه أن يتبعوه فيه، وتكبروا عليه جهلا منهم بمنزلة الحق ومنزلة الداعي إليه، إذ أنهم قالوا لشعيب وأقسموا " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا " وقيل في معنى (لتعودن) قولان:
أحدهما: على توهمهم أنه كان فيها على دين قومه.
الثاني: أن الذين اتبعوا شعيبا قد كانوا فيها. وقال الزجاج: وجائز أن يقال: قد عاد علي من فلان مكروه وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك أي لحقني منه مكروه، ووجه هذا أنه قد كان قبل ذلك في قصده لي كأنه قد أتى مرة بعد مرة. وقال الشاعر:
لئن كانت الأيام أحسن مرة * إلي فقد عادت لهن ذنوب (1)
والعود هو الرجوع، وهو مصير الشئ إلى الحال التي كان عليها قبل، ومنه إعادة الخلق، وقوله تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " (2) وتستعمل لفظة الإعادة في الفعل مرة ثانية حقيقة، وفى فعل مثله مجازا، وكلاهما يسمى إعادة، لكن لما كان مثله كأنه هو في أنه يقوم مقامه جرت عليه الصفة كقولك: أعدت الكتابة والقراءة ومعناه فعلت مثله. وقوله " أولو كنا كارهين " حكاية لما قال شعيب لامته من أنه لا يعود في ملتهم إلا أن يكون على وجه الاكراه منهم لذلك وأنهم يريدون أن يردوا المؤمنين إلى مثل ما هم عليه من المعاصي مع كراهتهم لذلك ويقينهم لبطلانه، فبين بهذا أنا مع كراهتنا لذلك مع ما عرفناه من بطلانه لا نرجع، وتقديره أتعيدوننا في ملتكم وإن كرهناها ؟! فأدخل ألف الاستفهام على (لو).
1- مر تخريجه في 2 / 315.
2- سورة 6 الانعام آية 28.