الآية 87
قوله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾
الطائفة الجماعة من الناس، وهو من الطوف صفة غالبة أقيمت مقام الموصوف مأخوذة من أنها تجتمع على الطواف، وقد يكون جماعة الكتب والدور ونحو ذلك. وقوله " وطائفة لم يؤمنوا " إنما جاز أن يخبر عمن لم يؤمن بأنهم طائفة وإن كانوا هم الأكثر لتقابل قوله " طائفة منكم آمنوا " ولان من حق الضد أن يأتي على حد ضده، كما تقول: ضربت زيدا وما ضربت زيدا، وإنما ذكر طائفة، لأنه راجع إلى الرجال، وإن كان اللفظ مؤنثا فغلب فيه المعنى في هذا الموضع ليدل على معنى التذكير، والمعنى إن شعيبا قال لقومه: وإن انقسمتم قسمين، ففرقة آمنت وفرقة كفرت، فاصبروا حتى يحكم الله بيننا، على وجه التهديد لهم والانكا؟؟ لي من خالف منهم، والصبر حبس النفس عما تنازع إليه من الجزع وأصله الحبس، ومنه قوله (ع): (اقتلوا القاتل واصبروا الصابر) ومنه قيل للسئ: صبر، لأنه يحبس النفس عن لفظه ليداويه. والحكم المنع من الخروج عن الحق بدعاء الحكمة إليه من جهة معروفة أو حجة، وأصله المنع قال الشاعر:
أبني حنيفة احكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم أن أغضبا (1)
وقوله " وهو خير الحاكمين " لأنه لا يجوز عليه الجور، ولا المحاباة في الحكم، وإنما علق جواب الجزاء بالصبر، وهو لازم على كل حال، لان المعنى فسيقع جزاء كل فريق بما يستحقه من ثواب أو عقاب، كأنه قال: فأنتم مصبورون على حكم الله بذلك. قال البلخي: أمرهم في هذه الآية بالكف عما كانوا يفعلون من الصد عن الدين والتوعد عليه، والكف عن ذلك خير ورشد، ولم يأمرهم بالمقام على كفرهم والصبر. وفي ذلك دلالة على أنه ليس كل أفعال الكافرين كفرا ومعصية، كما يذهب إليه بعض أهل النظر.
1- مر هذا البيت في 1 / 142 و 2 / 188 وسيأتي في 5 / 512.