الآيات 42-43

قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء﴾

القراءة:

قرأ الجماعة " إنما يؤخرهم " بالياء. وروي عن أبي عمرو بالنون قال أبو علي: وجه القراءة بالياء ان الغيبة للمفرد قد تقدم، فتكون بالياء على " فلا تحسبن الله مخلف وعده.. إنما يؤخرهم " ووجه القراءة بالنون أنه مثل الياء في المعنى، وقد تقدم مثله كثيرا. هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم نهاه الله تعالى، والمراد به، الأمة ان يظن أن الله غافل عن أعمال الظالمين، ومهمل لأمورهم. والغفلة والسهو واحد. ثم بين الله تعالى أنه إنما لم يعاجلهم بالعقوبة ويؤخر عقابهم ليعذبهم في اليوم الذي تشخص فيه الابصار، وهو يوم القيامة. وشخوص البصر ان تبقى العين مفتوحة لا تنطبق لعظم ذلك اليوم " مهطعين " قال سعيد بن جبير والحسن وقتادة: مسرعين، يقال: أهطع إهطاعا إذا أسرع قال الشاعر:

بمهطع سرح كان زمامه * في رأس جذع من أراك مشذب (1)

وقال الآخر:

بمستهطع رسل كان جديله * بقيدوم رعن من صوام ممنع (2)

وقال ابن عباس: المهطع الدائم النظر لا تطرف عينه، وقال ابن دريد: المهطع: المطرق الذي لا يرفع رأسه.. وقوله " مقنعي رؤسهم " قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وابن زيد: معناه رافعي رؤسهم واقناع الرأس رفعه، قال الشماخ:

يباكرن العضاه بمقنعات * نواجذهن كالحدأ الرقيع (3)

يعنى يباكرن العضاة بمقنعات اي برؤوس مرفوعات إليها ليتناول منها، يصف ابلاله له ترعي الشجر، وأن أسنانها مرتفعة كالفؤس، وقال الراجز:

انقض نحوي رأسه واقنعا * كأنما أبصر شيئا اطمعا (4)

وقوله " لا يرتد إليهم طرفهم " اي لا ترجع إليهم أعينهم ولا يطبقونها. وقوله " وأفئدتهم هواء " معناه منخرقة لا تعي شيئا للخوف والفزع الذي دخلها، فهي كهواء الجو، في الانخراق وبطلان الامساك. وقوله " يوم يأتيهم " نصب على أنه مفعول به والعامل فيه أنذرهم، كأنه قال خوفهم عقاب الله، ولا يكون على الظرف، لأنه لم يؤمر بالانذار في ذلك اليوم. وقيل في قوله " وأفئدتهم هواء " ثلاثة أقوال:

أولها: قال ابن عباس ومرة والحسن: منخرقة لا تعي شيئا، وفارغة من كل شئ إلا من ذكر إجابة الداعي.

الثاني: قال سعيد بن جبير: يردد في أجوافهم لا يستقر في مكان.

الثالث: قال قتادة: خرجت إلى الحناجر لا تنفصل، ولا تعود، وكل ذلك تشبيه بهواء الجو، والأول أعرف في كلام العرب. وقال حسان بن ثابت:

ألا أبلغ أبا سفيان عنى * فأنت مجوف نخب هواء (5)

وقال زهير:

كأن الرحل منها فوق صعل * من الظلمان جؤجؤه هواء (6)

وقيل إن الظليم لا فؤاد له وقال آخر:

ولأنك من اخدان كل يراعة * هواء كسقب البان خوفا يكاسره (7).


1- مجاز القران 1: 342 وتفسير الطبري 13: 141.

2- اللسان، والتاج (قدم) والأساس (هطع) ومجاز القران 1: 343 وتفسير الطبري 13: 142،.

3- ديوانه 56 ومجاز القرآن 1: 343 والطبري 13: 142 واللسان والتاج (حدأ) ومجمع البيان 3: 32.

4- تفسير الشوكاني 3: 110 وتفسير الطبري 13: 142 ومجاز القرآن 1: 344.

5- ديوانه 8، واللسان والتاج (هوء، جوف) والطبري 13: 144 ومجمع البيان 3: 320 وقد مر في 1: 41 من هذا الكتاب.

6- ديوانه (دار بيروت) 9، ومجمع البيان 3: 320.

7- هذا البيت منسوب إلى صخر الغي. ونسب أيضا إلى كعب. التاج (هوا) والطبري 13: 144 ومجاز القران 1: 344.