الآيات 35-36
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم اذكر " إذ قال إبراهيم " يا " رب اجعل هذا البلد " يعني مكة وما حولها من الحرم " آمنا " يعني يأمن الناس فيه على نفوسهم وأموالهم. (والامن) سكون النفس إلى زوال الضرر، وهو نقيض الخوف، ومثله الطمأنينة إلى الامر. وقوله " واجنبني " اي اصرفني عنه، جنبته أوجنبه، جنبا وجنبته الشر تجنيبا، وأجنبته اجتنابا، قال الشاعر:
وتنقض عهده شفقا عليه * وتجنبه قلايصنا الصعابا (1)
" واجنبني " اي واصرفني " وبني ان نعبد الأصنام " اي جنبنا عبادة الأصنام بلطف من ألطافك الذي نختار عنده الامتناع من عبادتها. ودعاء الأنبياء لا يكون الا مستجابا، فعلى هذا يكون سؤاله ان يجنب نبيه عبادة الأصنام مخصوصا بمن علم الله من حاله أن يكون مؤمنا، لا يعبد الا الله، ويكون الله تعالى اذن له في الدعاء لهم، فيجيب الله تعالى ذلك لهم. وقوله " رب انهن أضللن كثيرا من الناس " اخبار من إبراهيم ان هذه الأصنام ضل كثير من الناس بها حتى عبدوها فكأنها أضلتهم، كما يقول القائل: فتنتني فلانة اي فتنت بها، قال الشاعر: هبوني امرءا منكم أضل بغيره يعني ضل بعيره عنه، لان أحدا لا يضل بغيره قاصدا إلى اضلاله. وقوله " فمن تبعني " حكاية ما قال إبراهيم من أن من يتبعه في عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فإنه منه وعلى دينه. " ومن عصاني " في ذلك وعبد مع الله غيره، وعصاه في أوامره " فإنك " يا الله " غفور رحيم " اي ستار على عبادك معاصيهم رحيم بهم اي منعم عليهم في جميع الا حوال. وقيل المعنى " انك غفور رحيم " بهم ان تابوا واقلعوا عما هم عليه من الكفر.
1- تفسير الطبري 13: 113 ومجاز القرآن 1: 342.