الآيات 23-25
قوله تعالى: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾
ثلاث آيات في الكوفي والبصري تمام الثانية " في السماء " وآيتان في الباقي اخبر الله تعالى في هذه الآية ان الذين يؤمنون به، ويصدقون بوحدانيته، ويعترفون بنبوة أنبيائه ويعملون بما دعاهم إليه من الطاعات والاعمال الصالحات يدخلهم الله يوم القيامة جنات من صفتها انها تجري من تحتها الأنهار، لان الجنة البستان الذي يجنه الشجر، فالأنهار تجري من تحت الأشجار، وقيل انهار الجنة في أخاديد في الأرض " خالدين فيها " اي مؤبدين فيها دائمين " ونصبه على الحال من حيث إنها تدوم لهم " بإذن ربهم " اي بأمر ربهم واطلاقه، يخلدون فيها ويكون تحية بعضهم لبعض في الجنة " سلام ". والتحية التلقي بالكرامة في المخاطبة، كقولك أحياك الله حياة طيبة، سلام عليك، وما أشبه ذلك تبشيرا لهم بدوام السلامة. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ألم تعلم كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء " إنما ضرب المثل بالكلمة الطيبة للدعاء إليها في كل باب يحتاج إلى العمل عليه، وفي كل باب من أبواب العلم. ومعنى " فرعها في السماء " مبالغة له في الرفعة، فالأصل سافل، والفرع عال، إلا أنه من الأصل يوصل إلى الفرع. والأصل في باب العلم مشبه بأصل الشجرة التي تؤدي إلى الثمرة التي هي فرع ذلك الأصل، ويشبه بأصل الدرجة التي يترقى منها إلى أعلى مرتبة. وروي انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الشجرة الطيبة هي النخلة. وقال ابن عباس: هي شجرة في الجنة. وقوله " تؤتي أكلها " اي تخرج هذه الشجرة الطيبة - وهي النخلة - ما يؤكل منها في كل حين. وقال ابن عباس - في رواية - يعني ستة اشهر إلى صرام النخل، وهو المروي عن أبي جعفر وأبى عبد الله (ع)، وبه قال سعيد بن جبير، والحسن. وقال مجاهد وابن زيد: كل سنة. وقال سعيد بن المسيب: الحين شهران. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: غدوة وعشية، وقال قوم: من اكل النخلة: الطلع والرطب والبسر والتمر، فهو دائم لا ينقطع على هذه الصفة، وأهل اللغة يذهبون إلى أن الحين هو الوقت، قال النابغة:
يبادرها الراقون من سوء سمها * تطلقه حينا وحينا تراجع (1)
كذا رواه الأصمعي و (مثلا) منصوب ب? (ضرب) والتقدير ضرب الله كلمة طيبة مثلا " بإذن ربها " اي يخرج هذا الاكل في كل حين بأمر الله وخلقه إياه " ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون " اخبار منه تعالى انه يضرب المثل للكلمة. الطيبة بالشجرة الطيبة في البادية والعاقبة، لكي يتذكروا ويتفكروا فيه ويعتبروا به، فيؤديهم ذلك إلى دخول الجنة وحصول الثواب. وفائدة الآية ان الله ضرب للايمان مثلا وللكفر مثلا، فجعل مثل المؤمن الشجرة الطيبة التي لا ينقطع نفعها وثمرها، وهي النخلة ينتفع بها في كل وقت، لا ينقطع نفعها البتة، لأنه ينتفع بطلعها، وبسرها، ورطبها، وتمرها، وسعفها، وليفها، وخوصها، وجذعها. ومثل الكافر بالشجرة الخبيثة وهي الحنظلة. وقيل الاكشوث لا انتفاع به، ولا قرار له ولا أصل، فكذلك الكفر لا نفع فيه ولا ثبات.
1- ديوانه (دار بيروت) 80 وروايته: تناذرها الراقون من سوء سمها * تطلقه طورا وطورا تراجع.