الآية 22
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
القراءة:
قرأ حمزة وحده " بمصرخي " بكسر الياء. الباقون بفتحها. قال أبو علي: قال الفراء - في كتابه في التصريف: قرأ به الأعمش، ويحيى ابن وثاب، قال وزعم القاسم بن معن أنه صواب، وكان ثقة بصيرا، وزعم قطرب أنه لغة في بني يربوع، يزيدون على ياء الإضافة ياء وانشد:
ماض إذا ما هم بالمضي * قال لها هل لك يامامي
وانشد ذلك الفراء، وقال الزجاج: هذا الشعر لا يلتفت إليه، ولا هو مما يعرف قائله، قال الرماني: الكسر لا يجوز عند أكثر النحويين، واجازه الفراء على ضعف، قال أبو علي: وجه جوازه من القياس أن الياء ليست تخلو: أن تكون في موضع نصب أو جر، فالياء في النصب والجر كالهاء في (هما) وكالكاف في أكرمتك وهذا لك، فكما ان (الهاء) قد لحقتها الزيادة في هداكه وضربه، ولحق الكاف الزيادة في قولهم أعطيتكه أو أعطيتكاه فيما حكاه سيبويه، وهما أختا الياء كذلك ألحقوا الياء الزيادة، فقالوا: في، ثم حذفت الياء الزيادة على الياء، كما حذفت الياء من (الهاء) في قول من قال: له أرقان. قال أبو الحسن هي لغة، فكما حذفت الزيادة من الكاف، فقال في (أعطيتكيه، أعطيتكه) كذلك حذفت الياء اللاحقة الياء، كما حذفت من أختيها، وأقرت لكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسرة، وكما لحقت الكاف والهاء الزيادة، كذلك لحقت الياء الزيادة، فلحاق الياء الزيادة نحو ما أنشد من قول الشاعر: رميتيه فأصميت وما أخطأت الرمية فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة. وإن كان غيرها أفشى منها. وعضده من القياس ما ذكرنا لم يجز لقائل ان يقول: إن قراءة القراء بذلك لحن يجوز، لاستقامة ذلك سماعا وقياسا. اخبر الله تعالى في هذه الآية ان الشيطان يوم القيامة يقول لأوليائه الذين اتبعوه: تفسير التبيان ج 6 - م 19 " ان الله وعدكم وعد الحق " من الثواب والعقاب " ووعدتكم " انا بالخلاص من العقاب بارتكاب المعاصي، وقد خالفت وعدي " وما كان لي عليكم من سلطان " اي لم يكن لي عليكم حجة، ولا برهان أكثر من أن دعوتكم إلى الضلال وأغويتكم، فأجبتموني واتبعتموني " فلا تلوموني " في ذلك " ولوموا أنفسكم " بارتكاب المعاصي وخلافكم الله وترككم ما أمركم به " ما انا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي " يقال: استصرخني فأصرخته، اي استغاثني فأغثته، فالاصراخ الإغاثة. والمعنى ما انا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي " إني كفرت بما أشركتموني من قبل " حكاية عن قول الشيطان لأوليائه انه يقول لهم " اني كفرت " بشرككم بالله ومتابعتكم لي قبل هذا اليوم. ثم اخبر تعالى " إن الظالمين " الكافرين " لهم عذاب اليم " مؤلم شديد الألم، ويصح ان يلوم الانسان نفسه على الإساءة، كما يصح حمدها على الاحسان قال الشاعر:
صحبتك إذ عيني عليها غشارة * فلما انجلت قطعت نفسي ألومها (1)
قال الجبائي: وفي الآية دلالة على أن الشيطان لا يقدر على الاضرار بالانسان أكثر من إغوائه ودعائه إلى المعاصي، فأما بغير ذلك فلا يقدر عليه، لأنه اخبر بذلك، ويجب أن يكون صادقا، لان الآخرة لا يقع فيها من أحد قبيح لكونهم ملجئين إلى تركه.
1- قائله الحارث بن خالد المخزومي. اللسان (غشا).