الآيات 19-20

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ {إبراهيم/19} وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾

آيتان في الكوفي والمدني تمام الأولى " خلق جديد " وآية عند الباقين. قرأ حمزة والكسائي " خالق السماوات " على اسم الفاعل. الباقون " خلق " على (فعل) ماض. قال أبو علي: من قرأ " خلق " فلان ذلك ماض فأخبر عنه بلفظ الماضي، من قرأ " خالق " جعله مثل " فاطر السماوات والأرض " (1) بمعنى خالق. ومثله قوله " فالق الاصباح وجعل الليل سكنا " (2) لأنهما فعلا. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ويعني به الأمة بدلالة قوله " ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد " ألم تعلم، لان الرؤية تكون بمعنى العلم، كما تكون بمعنى الادراك بالبصر وههنا لا يمكن أن تكون بمعنى الرؤية بالبصر، لان ذلك لا يتعلق بأن الله خلق السماوات والأرض، وإنما يعلم ذلك بدليل وقوله " بالحق " والحق هو وضع الشئ في موضعه على ما تقتضيه الحكمة وإذا جرى المعنى على ما هو له من الأشياء فهو حق، وإذا أجري على ما ليس هو له من الشئ فذلك باطل. والخلق فعل الشئ على تقديره وترتيب، والخالق الفاعل على مقدار ما تدعو الحكم إليه لا يجوز عليه غير ذلك. وقوله " ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد " خطاب للخلق واعلام لهم أنه قادر ان شاء ان يميت الخلق ويهلكهم ويجئ بدلهم خلقا آخر جديدا. والاذهاب ابعاد الشئ عن الجهة التي كان عليها، ولهذا قيل للاهلاك إذهاب، لأنه ابعاد له عن حال الايجاد. والجديد المقطوع عنه العمل في ابتداء أمره قبل حال خلو فيه، واصله القطع يقال: جده يجده جدا إذا قطعه، والجد أب الأب، لانقطاعه عن الولادة بالأب، والجد ضد الهزل، والجد الحظ. " وما ذلك على الله بعزيز " اخبار منه تعالى ان إذهابكم وإهلاككم والاتيان بخلق جديد ليس بممتنع على الله على وجه من الوجوه. والممتنع بقدرته: عزيز، والممتنع بسعة مقدوره عزيز، والممتنع بكبر نفسه عزيز. وفي الآية دلالة على أن من قدر على الانشاء قدر على الأفناء إذ كان مما لا يتغير حكم القادر، ولا شئ مما يحتاج إليه في الفعل، لان من قدر على البناء، فهو على الهدم أقدر، فمن كان قادرا على اختراع السماء والأرض وما بينهما فهو قادر على إذهاب الخلق وإهلاكهم.


1- سورة فاطر: 35 آية 1.

2- سورة الأنعام: 6 آية 96.