الآيات 15-16
قوله تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ﴾
قوله " واستفتحوا " معناه استنصروا وهو طلب الفتح بالنصر، ومنه قوله " وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا " (1) اي يستنصرون وقال ابن عباس: هو استفتاح الرسل بالنصر على قومهم، وبه قال مجاهد وقتادة. وقال الجبائي: هو سؤالهم ان يحكم الله بينهم وبين أممهم، لان الفتح الحكم، ومنه قولهم: الفتاح الحاكم. وقال ابن زيد: هو استفتاح الكفار بالبلاء والخيبة خلاف ما قدروه من المنفعة، يقال: خاب يخيب خيبة وخيب تخيبا، وضده النجاح، وهو ادراك الطلبة. والجبرية طلب علو المنزلة بما ليس وراءه غاية في الوصف، فإذا وصف العبد بأنه جبار كان ذما، وإذا وصف الله به كان مدحا، لان له علو المنزلة بما ليس وراءه غاية في الصفة. والعنيد: هو المعاند إلا أن فيه مبالغة، والعناد الامتناع من الحق مع العلم به، كبرا وبغيا، يقال: عند يعند عنودا، وعانده معاندة وعنادا قال الشاعر:
إذا نزلت فاجعلاني وسطا * اني كبير لا أطيق العندا (2)
والوراء والخلف واحد، وهو جهة مقابلة لجهة القدام، وقد يكون وراء بمعنى أمام، وقيل: إنه يحتمل ذلك - ههنا - وذكروا أنه يجوز في الزمان على تقدير انه كان خلفهم، لأنه يأتي فيلحقهم قال الشاعر:
أتوعدني وراء بني رياح * كذبت لتقصرن يداك دوني (3)
وقال آخر: عسى الكرب الذي أمسيت فيه * يكون وراءه فرج قريب (4) وقوله " ويسقى من ماء صديد " يعني يسقى الجبار العنيد صديدا، وهو قيح يسيل من الجرح اخذ من أنه يصد عنه تكرها له. والقيح دم مختلط بمدة. وقوله " صديد " بيان للماء الذي يسقونه، فلذلك اعرب بإعرابه، قال الزجاج: والوراء ما توارى عنك، وليس من الأضداد، قال الشاعر:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مذهب (5)
أي ليس بعد مذاهب الله للمرء مذهب.
1- سورة البقرة آية 89.
2- قد مر تخريجه في 6: 14 من هذا الكتاب.
3- قائله جرير، ديوانه (دار بيروت) 475، و (نشر الصاوي) 577 وتفسير الطبري (الطبعة الأولى) 13: 76، 114 ومجاز القرآن 1: 326، 337 وقد مر في 6: 233.
4- لم أجده.
5- قائله النابغة، ديوانه (دار بيروت) 17 من قصيدة يعتذر بها إلى النعمان بن المنذر ويمدحه. وهو في امالي الشريف المرتضى 2: 17.