الآيات 9-10

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ، قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾

آيتان في الكوفي وثلاثا آيات في المدنيين والبصري تمام الأولى قوله " وثمود ". قيل فيمن يتوجه الخطاب إليه في قوله " ألم يأتكم نبؤ " قولان:

أحدهما: قال الجبائي: إنه متوجه إلى أمة النبي صلى الله على وسلم ذكروا بأخبار من تقدم وما جرى من قصصهم.

الثاني: قال قوم: إنه من قول موسى (ع) لأنه متصل به في الآية المتقدمة يقول الله لهم " ألم يأتكم " اي اما جاءكم اخبار من تقدمكم. والنبأ الخبر عما يعظم شأنه يقال: لهذا الامر نبؤ اي عظم شأن يقال أنبأ ينبئ، ونبأت أنبئ، ونبأ الله محمدا اي جعله نبيا، وتنبأ مسيلمة اي ادعى النبوة، وليس هو كذلك. و " قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم " كل ذلك مجرور بأنه بدل من الكاف والميم في قوله " قلبكم " وهو مجرور بالإضافة. وقوله " لا يعلمهم إلا الله " اي لا يعلم تفاصيل أحوالهم وما فعلوه، وفعل بهم من العقوبات، ولا عددهم " إلا الله " ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (كذب النسابون) وقوله " جاءتهم رسلهم بالبينات " اي اتتهم رسلهم بالدلالات الواضحات " فردوا أيديهم في أفواههم " وقيل في معناه خمسة أقوال:

أحدها: قال عبد الله بن مسعود، وابن زيد: انهم عضوا على أناملهم تغيظا عليهم في دعائهم إلى الله، كما قال " عضو عليكم الأنامل من الغيظ " (1).

وثانيها: قال الحسن: جعلوا أيديهم في أفواه الأنبياء تكذيبا لهم وردا لما جاؤوا به.

الثالث: قال مجاهد ردوا نعمتهم بأفواههم.

الرابع: قال قوم: يحتمل ان يكونوا ردوا أيدي أنفسهم في أفواه نفوسهم مومئن لهم اي اسكتوا عما تدعونا إليه، كما يفعل الواحد منا مع غيره إذا أراد تسكيته. روي ذلك عن ابن عباس ذكره والفراء.

وخامسها: قال قوم: ردوا ما لو قبلوه، لكانت نعمة عليهم في أفواههم اي بأفواههم وألسنتهم، كما يقولون أدخلك الله بالجنة يريدون في الجنة وهي لغة طي، قال الفراء: أنشدني بعضهم:

وارغب فيها عن لقيط ورهطه * ولكنني عن سنبس لست ارغب (2)

فقال (ارغب فيها) يريد بها يعنى بنتا له، يريد: ارغب بها عن لقيط، ولا ارغب بها عن قبيلته، وقوله " انا كفرنا بما أرسلتم به " حكاية أيضا عما قالوا للرسل فإنهم قالوا: إنا قد كفرنا بما أرسلتم به من الدعاء إلى الله وحده وتوجيه العبادة إليه، والعمل بشرائعه " وانا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب " والريب أخبث الشك المتهم، وهو الذي يأتي بما فيه التهمة، ولذلك وصفوا به الشك اي انه يوجب تهمة ما اتيتم به يقال: أراب يريب إرابة إذا أتى بما يوجب الريبة، فقالت لهم حينئذ رسلهم " أفي الله شك " مع قيام الأدلة على وحدانيته وصفاته، لأنه الذي خلق السماوات والأرض يدعوكم إلى عبادته ليغفر لكم من ذنوبكم إذا أطعتموه. ودخلت (من) ههنا - في قول أبي عبيدة - زائدة، وأنكر سيبويه زيادتها في الواجب، وقال أبو علي: دخلت للتبعيض ووضع البعض موضع الجميع توسعا. وقال قوم: دخلت (من) لتكون المغفرة بدلا من الذنوب، فدخلت (من) لتضمن المغفرة معنى البدل من السيئة " ويؤخركم إلى اجل مسمى " يعنى لا يؤاخذكم بعاجل العذاب، بل يؤخر إلى الوقت الذي ضربه الله لكم ان يمسكم فيه، فقال لهم قومهم " ان أنتم الا بشر مثلنا " اي ليس أنتم الا خلق مثلنا تريدون ان تمنعونا عما كان يعبد آباؤنا من الأصنام والأوثان، فأتونا بحجة واضحة على ما تدعونه وبطلان ما نحن عليه. وفي الآية دلالة واضحة على أنه تعالى أراد بخلقه الخير والايمان، لا الشر والكفر، وأنه إنما بعث الرسل إلى الكفار رحمة وتفضلا، ليؤمنوا، لا ليكفروا، لان الرسل قالت: ندعوكم إلى الله ليغفر لكم، فمن قال إن الله أرسل الرسل إلى الكفار ليكفروا بهم ويكونوا سوءا عليهم ووبالا، وإنما دعوهم ليزدادوا كفرا فقد رد ظاهر القرآن.


1- سورة آل عمران آية 119.

2- مجمع البيان 3: 306 وأمالي الشريف المرتضى 1: 366 وتفسير الطبري (الطبعة الأولى) 13: 111 ولم يعرف قائله.