الآية 3

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾

" الذين " في موضع جر، لأنه نعت للكافرين، وتقديره وويل للكافرين الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة. والاستحباب طلب محبة الشئ بالتعرض لها، والمحبة إرادة منافع المحبوب. وقد تكون المحبة ميل الطباع. والحياة الدنيا هو المقام في هذه الدنيا العاجلة على الكون في الآخرة. ذمهم الله بذلك، لان الدنيا دار انتقال، والآخرة دار مقام. " ويصدون عن سبيل الله " اي يعرضون بنفوسهم عن اتباع الطريق المؤدي إلى معرفة الله، ويجوز ان يريد انهم يمنعون غيرهم من اتباع سبيل الله تعالى، يقال: صد عنه يصد صدا، غير متعد، وصده يصده صدا متعد. والسبيل الطريق وكلاهما يؤنث ويذكر، وهو على السبل أغلب و " يبغونها عوجا " أي ويطلبون الطريق عوجا اي عدولا عن استقامته. و (العوج) خلاف الميل إلى الاستقامة، والعوج بكسر العين - في الدين، وبفتح العين - في العود والبغية طلب المقاصد لموضع الحاجة، يقال: بغاه يبغيه بغية، وابتغى ابتغاء، ودخلت (على) في قوله " يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة " لان المعنى يؤثرونها عليها. ولو قيل من الآخرة، لجاز أن يكون بمعنى يستبدلونها من الآخرة. وقيل: إنه يجري مجرى قولهم: نزلت على بني فلان، ونزلت في بني فلان، وببني فلان، كله بمعنى واحد. وقوله " أولئك في ضلال بعيد " إخبار منه تعالى ان هؤلاء الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، ويصدون عن سبيل الله، في عدول عن الحق، بعيدون عن الاستقامة.