الآيات 1-2

قال قتادة: هي مكية إلا آيتين: قوله " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله " إلى قوله " وبئس القرار ". وقال مجاهد هي مكية وليس فيها ناسخ ولا منسوخ. وهي اثنان وخمسون آية في الكوفي، وأربع في المدنيين، وآية في البصري.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيد﴾

ثلاث آيات في المدنيين آخر الأولى. قوله " إلى النور " وآيتان عند الباقين. قرأ ابن عامر ونافع " الله الذي " بالرفع. الباقون بالخفض. قال أبو علي: من قرأ بالجر جعله بدلا من الحميد، ولم يكن صفة، لان الاسم وإن كان في الأصل مصدرا، والمصادر يوصف بها كما يوصف بأسماء الفاعلين، وكذلك كان هذا الاسم في الأصل (الالاه) ومعناه ذو العبادة اي تجب العبادة اي تجب العبادة له، قال أبو زيد: يقال تأله الرجل إذا نسك وأنشد لرؤبة: سبحن واسترجعن من تألهي (1). فهذا في أنه في الأصل مصدر قد وصف به مثل السلام والعدل، الا ان هذا الاسم غلب حتى صار في الغلبة وكثرة الاستعمال كالعلم، وقد يغلب ما في أصله الصفة فيصير بمنزلة العلم (2) مثل قول الشاعر:

والتيم ألام من يمشي وألامهم * ذهل بن تيم بنو السود المدانيس (3)

يجوز أن يكون جعل التيم جمع تيمي كيهودي ويهود وعلى هذا قال تعالى وقالت اليهود، ألا ترى أن (يهود) قد جرى في كلامهم اسما للقبيلة، كما أن (مجوس) كذلك، فلولا أن المراد بهما الجمع، لم يدخلهما الألف واللام، كما لا يدخل المعارف في نحو زيد وعمرو، إلا أنه جمع بحذف اليائين اللتين للنسب، كما جمع شعير وشعيرة بحذف التاء، ومثله (رومي) وروم و (زنجي) وزنج. ومن رفع قطع عن الأول، ورفعه بالابتداء، وجعل (الذي) الخبر، أو جعله صفة وأضمر الخبر. وقد بينا معاني الحروف المقطعة في أوائل السور في أول البقرة (4)، وذكرنا اختلاف المفسرين فيه، فلا فائدة في اعادته. وقوله " كتاب أنزلناه إليك " رفع على أنه خبر الابتداء، ومعناه هذا كتاب يعني القرآن أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم " ليخرج الناس من الظلمات إلى النور " أي ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلالة إلى نور الايمان والهداية. والظلمة في الأصل سواد الجو المانع من الرؤية تقول أظلم إظلاما وظلاما، وظلمة. الظلمة اذهاب الضياء بما يستره، والنور بياض شعاعي تصح معه الرؤية، ويمنع معه الظلام ومنه النار لما فيها من النور. والنور والضياء واحد. وقال قتادة " من الظلمات إلى النور " من الضلالة إلى الهدى " بإذن ربهم " اي باطلاق الله ذلك، وأمره به نبيه صلى الله عليه وسلم " إلى صراط العزيز الحميد " أي يخرجهم من ظلمات الكفر إلى طريق الله المؤدي إلى معرفة الله " العزيز " يعني القادر على الأشياء الممتنع بقدرته من أن يضام، المحمود في أفعاله التي أنعم بها على عباده، الذي له التصرف في جميع ما في السماوات والأرض، على وجه ليس لأحد الاعتراض عليه. ثم اخبر تعالى أن الويل للكافرين الذين يجحدون نعم الله ولا يعترفون بوحدانيته. والاقرار بنبيه صلى الله عليه وسلم " من عذاب شديد " وهو ما تتضاعف " آلامه، والشدة تجمع يصعب معه التفكك، شده يشده شدا وشدة. وفي الآية دلالة على أن الله يريد الايمان من جميع المكلفين، لأنه ذكر أنه أنزل كتابه ليخرج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الايمان، لان اللام لام الغرض، ولا يجوز أن يكون لام العاقبة، لأنها لو كانت كذلك، لكان الناس كلهم مؤمنين والمعلوم خلافه.


1- مر هذا الرجز في 1: 28.

2- كان في المطبوعة على الهامش هذه الحاشية (نابغة الجعدي في الرمل بيته عليه صفيح من تراب وجندل والأصل النابغة ولما غلب نزع منه الألف واللام كما ينزع من أسماء الاعلام نحو زيد وعمرو وربما استعمل في هذا النحو الوجهان واما قول الشاعر) انتهى. وهو كما ترى بعيد عن المتن من حيث اللهجة والتركيب وظاهر انه ليس من كلام الشيخ الطوسي - رحمه الله - ولكن آخره يشبه المتصل بالمتن لذلك نقلناه فلعل المطلع عليه يستفيد منه.

3- قائله جرير. ديوانه (دار بيروت) 252 واللسان (تيم) ورواية الديوان: والتيم ألام من يمشي وألا مهم * أولاد ذهل بنو السود المدانيس ورواية اللسان: والتيم ألام من يمشي وألامه * تيم بن ذهل بنو السود المدانيس.

4- في 1: 47 - 51.