الآية 15

قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾

أخبر الله تعالى ان جميع من في السماوات والأرض يسجدون له إما طوعا منهم أو كرها. وقيل في معنى ذلك ثلاثة أقوال:

أحدها: قال الحسن وقتادة وابن زيد: ان المؤمن يسجد طوعا، والكافر يسجد كرها بالسيف، ويكون المعنى على هذا إن السجود واجب لله، فالمؤمن يفعله طوعا والكافر يؤخذ بالسجود كرها اي هذا الحكم في وجوب السجود لله

الثاني: ان المؤمن يسجد لله طوعا، والكافر في حكم الساجد كرها بما فيه من الحاجة إليه، والذلة التي تدعو إلى الخضوع لله تعالى.

الثالث: قال أبو علي: سجود الكره بالتذليل للتصريف من عافية إلى مرض، وغنى إلى فقر وحياة إلى موت كتذليل الاكم للحوافر في قول الشاعر: ترى الاكم فيها سجدا للحوافر (1) وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى إن فيمن سجد لله من يسهل ذلك عليه وفيهم من يشق عليه فيكرهه، كما قال " حملته أمه كرها وضعته كرها " (2). وقوله " وظلالهم بالغدو والآصال " أي وتسجد ظلالهم. وقيل في معناه قولان:

أحدهما: ان سجود الظلال بما فيه من تغير الذلة التي تدعو إلي صانع غير مصنوع له العزة والقدرة.

الثاني: قيل سجود الظل لأنه يقصر بارتفاع الشمس ويطول بانحطاطها، وذلك من آيات الله الدالة عليه، والسجود هو وضع الوجه على الأرض على وجه الخضوع مذلة لمن وضع له، وأصله التذليل من قول الشاعر:

بجمع تظل البلق في حجراته * ترى الاكم فيها سجدا للحوافر (3)

واصل السجود هو الميل والتطأطؤ يقال: سجد البعير وأسجده صاحبه إذا طأطأه ليركبه شبه السجود في الصلاة بذلك وعلى هذا يحمل سجود الظلال وسجود الكفار، ويراد بذلك حركاتهم وتصاريفهم، فان ذلك أجمع يدل على أن الله الخالق لهم والمدبر لمعايشهم، والطوع الانقياد للامر الذي يدعا إليه من قبل النفس وهو نقيض الكره، والكره الجر إلى الامر على إباء النفس، واصله الكراهة ضد الإرادة، إلا أنه جعل نقيض الطوع. والظلال جمع ظل وهو ستر الشخص ما بإزائه. والظل الظليل هو ستر الشمس اللازم. واما الفئ فهو الذي يرجع بعد ذهاب ضوئه، ومنه الظلة، لأنها ساترة. والظل والظلال مثل زق وزقاق. الآصال جمع أصل، والأصل جمع أصيل، وهو العشي، فكأنه قيل أصل الليل الذي ينشأ منه، لأنه مأخوذ من الأصيل، وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس، قال أبو ذؤيب:

لعمري لانت البيت أكرم أهله * واقعد في افنائه بالاصائل (4).


1- قد مر هذا البيت في 1: 263، 4: 233، 6 / 197، 235.

2- سورة الاحقاق 46 آية 15.

3- قد مر في 1: 263، 4: 233.

4- تفسير الطبري 13 / 77 وروايته (وابعد) بدل (واقعد).