الآية 14
قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إلى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾
أخبر الله تعالى بأن له (عز وجل) دعوة الحق. وقيل في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها: قال ابن عباس وقتادة وابن زيد إنها شهادة ان لا إله على اخلاص التوحيد.
الثاني: قال الحسن: الله هو الحق، فمن دعاه دعا الحق.
وقال قوم: كل دعوة هي حق جاز ان تضاف إلى الله، قال أبو علي دعوة الحق هي الدعوة التي يدعى الله بها على اخلاص التوحيد، والدعوة طلب فعل الشئ، فالانسان يدعو ربه ان يدخله في رحمته وهو أهل المغفرة والرحمة، وكل ما لابسه الانسان، فقد دخل فيه. والمعنى لله من خلقه الدعوة الحق. وقوله " والذين يدعون من دونه " قيل في معناه قولان:
أحدهما: قال الحسن: والذين يدعون من الأوثان لحاجاتهم.
الثاني: الذين يدعون أربابا. وقيل إن المعنى الذين يدعون غيره مقصرين عن دعائهم له، كما قال الشاعر:
أتوعدني وراء بني رياح * كذبت لتقصرن يداك دوني (1)
اي عني، " لا يستجيبون لهم بشئ " فالاستجابة متابعة الداعي فيما دعا إليه بموافقة إرادته والاستجابة، والإجابة واحد إلا أن صيغة الاستجابة تفيد طلب الموافقة، قال الشاعر:
وداع دعا يامن يجيب إلى الندى * فلم يستجبه عند ذاك مجيب (2)
وقوله " إلا كباسط كفيه إلى الماء " معناه قال مجاهد: كباسط كفه إلى الماء مشيرا إليه من غير تناول الاناء ليبلغ فاه ببسط كفه ودعائه له. وقال الحسن معناه كباسط كفيه إلى الماء، فمات قبل ان يصل إليه، والعرب تضربه مثلا لمن سعى فيما لا يدركه كالقابض على الماء قال الشاعر:
فأني وإياكم وشوقا إليكم * كقابض ماء لم تسقه أنامله (3)
وقال الآخر:
فأصبحت مما كان بيني وبينها * من الود مثل القابض الماء باليد (4)
" وما هو ببالغه " إخبار منه تعالى ان من كان كذلك لا يبلغ الماء فاه. ثم أخبر تعالى فقال " وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " أي ليس دعاؤهم الأوثان من دون الله إلا الاضلال عن الحق وعدولا عن طريقه وأنه جاز مجرى ما ذكره من باسط كفيه إلى الماء، وهو بعيد منه من غير أن يتناوله ويدعوه إلى فمه، فان ذلك لا يصل إليه أبدا.
1- تفسير الطبري 2: 90، 13: 76.
2- قد مر هذا البيت في 1: 36، 86، 2: 131، 3: 88، 4: 182، 5: 119 وهو في اللسان والتاج (جوب) وأمالي القالي 2: 115 ومجاز القرآن 1: 67، 326.
3- قائلة ضابي بن الحارث البرجمي. تفسير الطبري 13: 76 ومجمع البيان 3: 284.
4- مجاز القرآن 1: 327 والطبري 13: 76 والقرطبي 9: 301 والشوكاني 3: 96 ومجمع البيان 3: 284.