الآيات 8-9
قوله تعالى: ﴿اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير " المتعالي " بياء في الوصل والوقف الا المالكي والعطار عن الزبيبي ويعقوب، وروى المالكي والعطار عن الزبيبي بياء في الوقف دون الوصل. الباقون بغير ياء في الحالين. وروي عن أبي عمير - في رواية شاذة - مثل ابن كثير، قال أبو علي: اثبات الياء في الحالين هو القياس، وليس ما فيه الألف واللام من هذا الباب كما لا الف فيه ولام نحو قاض وغاز. قال سيبويه إذا لم يكن في موضع تنوين يعنى اسم الفاعل فان الاثبات أجود في الوقف نحو هذا القاضي، وهذا الغازي، لأنها ثابتة في الوصل يريد ان الياء مع الألف واللام تثبت ولا تحذف كما تحذف من اسم الفاعل إذا لم يكن فيه الألف واللام، نحو هذا قاض، فاعلم، فالياء مع غير الألف واللام تحذف في الوصل، فإذا حذفت في الوصل كان القياس ان تحذف في الوقف. وهي اللغة والاقيس. فأما إذا حذفت الألف واللام، ولا يحذف اللام - في اللغة التي هي أكثر عند سيبويه، فأما من حذف في الوصل والوقف فلان سيبويه زعم أن من العرب من يحذف هذا في الوقف شبهه بما ليس فيه الف ولام إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم يكن الف ولام واما حذفهم لها في الوصل فلم يكن القياس، لأنه لم يضطر إلى حذفه لشئ كما اضطر ما لا الف ولام فيه لالتقاء الساكنين، فكر هوا حركة الياء بالضم والكسر لكن حذف، كما حذف في الفواصل وما أشبه الفواصل تشبيها. بالقوافي. اخبر الله تعالى انه عز وجل " يعلم ما تحمل كل أنثى " من علقة أو مضغة ومن ذكر أو أنثى ومن زائد أو ناقص وعلى جميع أحواله وصفاته، لأنه عالم لنفسه. (والحمل) بفتح الحاء ما كان في البطن - وبكسرها - ما كان على الظهر وقوله " وما تغيض الأرحام " وما تزداد، وقيل فيه ثلاثة أقوال: الأول ما ينقص من ستة أشهر وما يزداد لان الولد يولد لستة اشهر فيعيش ويولد لسنتين فيعيش ذهب إليه الضحاك.
الثاني: قال الحسن ما ينقص بالسقط وما يزداد بالتمام. الثالث قال ابن زيد ما ينقص بغور النطفة وظهور دم الحيض فينقص تلك الأيام، لأنه لا يعتد بها في الحمل وينقص حال الولد وما يزداد من الأشهر، وفي حال الولد. وقال الفراء الغيض النقصان، تقولون: غاضت المياه اي نقصت، وفي الحديث (إذا كان الشتاء غيضا والولد غيضا وغاضت الكرم غيضا وفاضت اللئام فيضا) وقال الزجاج الغيض النقصان. وقوله " وكل شئ عنده بمقدار " قيل في معناه قولان:
أحدهما: ان جميع ما يفعله الله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة من غير نقصان ولا زيادة.
وقال قتادة: معناه كل شئ عنده بمقدار في الرزق والأجل. والمقدار مثال يقدر به غيره. ثم اخبر تعالى أنه عالم بما غاب عن الحواس وبما ظهر لها فالغيب كون الشئ بحيث يخفى عن الحس، يقال غاب يغيب، فهو غائب. والشهادة حصول الشئ بحيث يظهر للحس ومنه الشاهد خلاف الغائب. ويقال شهد في المصر إذا حضر فيه. ومنه قوله " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " (1) اي من حضر المصر فيه، وإنما قال " عالم الغيب " مع أن الله تعالى لا يغيب عنه شئ، لأنه أراد ما غاب عن احساس العباد. وقيل إنه أراد انه يعلم المعدوم والموجود، فالغيب هو المعدوم. وقال الحسن: الغيب السر، والشهادة العلانية. وقوله " الكبير المتعال " فالكبير هو السيد المقتدر. ومعناه الأكبر بسعة مقدوره. والمتعالي المقتدر بما يستحيل أن يكون أعلى منه في الاقتدار أو مساويا له، فهو أقدر من كل قادر، ولهذا استحالت مساواته في المقدور، لان من لا يساويه أحد في المقدور فهو أعلى في المقدور، كأنه قال: تعالى مقدوره إلى ما يستحيل أن يكون أعلى منه. وقال الحسن: المتعالي عما يقول المشركون فيه.
1- سورة البقرة آية 185.