الآية 6

قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾

أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء الكفار يطلبون منك ما يسوؤهم ان يعجل لهم، كما قالوا " أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " (1) قبل ان يسألوا الاحسان بالانتظار لهم، وقد حكم الله تعالى ان يمهلهم التوبة. ثم يأخذ من أقام على القبح بالعقوبة. والاستعجال طلب التعجيل، والتعجيل تقديم الشئ قبل وقته الذي يقدر له. والسيئة خصلة تسوء النفس، ساءه يسوءه سوءا، وهو ساء وهي سايئة وسئ وسيئة قال الشاعر:

ولا سئ يردي إذا ما تلبسوا * إلى حاجة يوما مخلسه بزلا

والحسنة خصلة تسر النفس وقد يعبر بهما عن الطاعة، والمعصية. وقوله " خلت من قبلهم المثلاث " أي مضت بانقضائها كمضي أهل الدار عنها، يقال: خلت الديار بهلاك أهلها وخلوهم بخلو مكانهم منها، والمثلاث العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله واحدها مثلة مثل سمرة وصدقة، وفي الجمع سمرات وصدقات، ويقال مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وسكون الثاء، وأمثلته من صاحبه إمثالا إذا قصصته منه وتميم تقول: مثلة على وزن غرفة، ثم قال " وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " على وجه الاخبار عن نفسه بالرحمة بخلقه والتفضل عليهم بأنه يغفر للناس على كونهم ظالمين وذلك يدل على بطلان قول من قال إن أصحاب الكبائر لا يجوز ان يعفو الله عنهم إلا بالتوبة، لأنه تعالى لم يشرط في ذلك التوبة ومن شرط في الآية التوبة أو خصها بالصغائر كان تاركا للظاهر. وقوله " وان ربك لشديد العقاب " اخبار منه تعالى بأنه كما يغفر تارة مع الظلم، كذلك قد يعاقب مع الاصرار عذابا شديدا فلا تغتروا بذلك ولا تعولوا على مجرد العفو لأنه يجوز ان لا يعفو.


1- سورة الأنفال آية 32.