الآية 4

قوله تعالى: ﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأهل البصرة وحفص " وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان " بالرفع فيهن. الباقون بالخفض. وروى أبو شعيب القواس عن حفص ضم الصاد من صنوان في الموضعين. الباقون بكسرها. وقر أ ابن عامر وعاصم ويعقوب " يسقى " بالياء. الباقون بالتاء. وقرأ أهل الكوفة الا عاصما يفضل بالياء. الباقون بالنون. قال أبو علي النحوي: من قرأ " وزرع " مرفوعا جعله محمولا على قوله " في الأرض " ويكون تقديره وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وفي الأرض زرع ونخيل صنوان، فالجنة على هذا تقع على الأرض التي فيها النخيل. دون غيرها. ويقوي ذلك قول زهير:

كأن عيني غربي مقتلة * من النواضح تسقي جنة سحقا (1)

السحق جمع سحوق يوصف بها النخيل إذا بسقت فكأنه سمى الأرض ذات النخل جنة، ولم يذكر ان فيها غيرها، فكما ان الجنة تكون من النخيل من غير أن يكون منها شئ آخر، كذلك تكون من الكروم، وان لم يكن فيها غيرها. فاما من قرأ بالخفض فإنه حمل الزرع والنخيل على الأعناب، كأنه قال جنات من أعناب ومن زرع، ومن نخيل. وقد تسمى الأرض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع جنة، قال الله تعالى " جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا " (2) ويقوي ذلك قول الشاعر:

أقبل سيل جاء من أمر الله * يجرد جرد الجنة المغلة (3)

فقوله (المغلة) في وصف الجنة يدل على أن الجنة يكون فيها الزرع، لان الغلة لا يقال إلا فيما يكال ويوزن، فلذلك قال الفقهاء: إذا قال: أوصيت له بغلة هذه القرية أنه يكون على ما فيها، من الحال من الثمرة وغيرها وقت التلفظ بالوصية دون ما يحدث بعد. و (الصنوان) فيما ذهب إليه أبو عبيدة صفة النخل قال: والمعنى أن يكون الأصل واحدا ثم يتشعب من الرؤس فيصير نخلا ويحملن وقال وقوله " يسقى بماء واحد " لأنها تشرب من أصل واحد " ونفضل بعضها على بعض في الاكل " وهو الثمرة، وأجاز غيره أن يكون (الصنوان) من صفة الجنات: فال أبو علي فكأنه في المعنى يراد به ما في الجنات. وان جرى على لفظ الجنات. وعلى هذا يجوز ان ترفع وان جررت النخل غير أنه لم يقرأ به. ومن ضم الصاد من صنوان جعله مثل ذئب وذؤبان، وربما يعاقب فعلان وفعلان على بناء واحد نحو خشن وخشان. وأظن سيبويه حكى الضم في صنوان والكسر أكثر. ومن قرأ " تسقى " بالتاء أراد تسقى هذه الأشياء " بماء واحد " ويقوى ذلك قوله " ونفضل بعضها على بعض " فحمله على التأنيث. ومن قرأ بالياء فعلى تقدير ما ذكرناه. ومن قرأ " يفضل " بالياء. رده إلى الله، وتقديره ويفضل الله بعضها على بعض ومن قرأ بالنون، فعلى الاخبار عن الله عز وجل أنه قال " ونفضل " نحن " بعضها على بعض ". اخبر الله تعالى على وجه التنبيه لعباده على الاستدلال بآياته بان قال في الأرض التي خلقتها قطع متجاورات. قال ابن عباس ومجاهد والضحاك: معناه سبخة وغير سبخة. وقيل عامرة وغير عامرة. والمتجاورة المتقاربة بعضها من بعض. وقوله " وجنات من أعناب " فالجنة البستان الذي يجنه الشجر وهي منفصلة من الروضة والزهرة " من أعناب " جمع عنب وهو ثمر الكرم يقع على أنواع كثيرة، والزرع القاء الحب للنبات في الأرض، والغرس جعل الأصل من الشجر الثابت. في الأرض، والصنوان المتلاصق وهي الفسيلة تكون في أصل النخلة. ويقال: هو ابن أخيه صنو أبيه اي لصنو أبيه في ولادته، ويجوز في جمع صنو اصناء. كعدل واعدال. ويقال: صنو بضم الصاد وإذا كثرت، فهو الصني والصنى، وقال البراء بن عازب وابن عباس ومجاهد وقتادة: الصنوان النخلات التي أصلها واحد. وقال الحسن: الصنوان النخلتان اصلهما واحد " يسقى بماء واحد " معناه ان ما ذكرناه يسقى بماء واحد " ونفضل بعضها على بعض في الاكل " بان يكون بعضه حلوا وبعضه حامضا وبعضه مرا في الاكل. والاكل الطعام الذي يصلح للاكل، فدل بذلك على بطلان قول من يقول بالطبع، لأنه لو كان قولهم صحيحا لما اختلفت طعوم هذه الأشياء مع أن التربة واحد والماء واحد، وجميع أحوالها المعقولة متساوية، فلما تفاضلت مع ذلك دل على أن المدبر لها عالم حكيم ففعله بحسب المصلحة " ان في ذلك لايات لقوم يعقلون " اخبار منه تعالى ان فيما ذكرناه دلالات لقوم يعقلونها ويتدبرونها لان من لا عقل له لا ينتفع بالاستدلال بها، وإنما ينتفع بذلك ذوو الألباب والعقول.


1- ديوانه: 140 (دار بيروت).

2- سورة الكهف آية 32.

3- مجمع البيان 3: 275.