الآية 88

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾

اخبر الله تعالى ان اخوة يوسف لما قال لهم يعقوب " اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه " رجعوا إلى يوسف ودخلوا عليه، وقالوا له " يا أيها العزيز " لأنهم كانوا يسمون الملك العزيز. والعزيز في اللغة هو الواسع المقدور الذي لا يهتضم المنيع بسعة مقدوره " مسنا وأهلنا الضر " أي أصابنا الضر، والمس ملابسة ما يحس، ولما كان الضر بمنزلة الملامس لهم، وهو مما يحس، عبر عنه بأنه مسه. والأهل: خاصة الشئ الذي ينسب إليه، ومنه قوله " ان ابني من أهلي " (1) وتسمى زوجة الرجل بأنها أهله وكذلك أهل البلد وأهل الدار، وهم خاصته الذين ينسبون إليه. وقوله " وجئنا ببضاعة مزجاة " قيل في معنى المزجاة ثلاثة أقوال:

أحدها: قال ابن عباس، وسعيد بن جبير: إنها ردية لا تؤخذ الا بوكس.

وقال الحسن ومجاهد وإبراهيم وقتادة وابن زيد: إنها قليلة.

وقال الضحاك: هي كاسدة غير نافعة. وروي انه كان معهم متاع البادية من الصوف والشعر والسمن والحبال البالية وغير ذلك. وأصلها القلة قال الأعشى:

الواهب المئة الهجان وعبدها * عوذا يزجي خلفها أطفالها (2)

اي يسوقهم قليلا قليلا، وقال النابغة:

وهبت الريح من تلقاء ذي أرل * تزجي مع الليل من صرادها صرما (3)

يعنى تسوق، وتدفع، وقال آخر: وحاجة غير مزجاة من الحاج (4) وقيل الأصل الدفع بالسوق فهي مدفعه لا تنفق. وقوله " فاوف لنا الكيل " اي لا تنقصنا من كيلنا لنقصان بضاعتنا، وتصدق علينا. وقيل في معناه قولان:

أحدهما: قال سعيد بن جبير: سألوا التفضل بترك النقصان من السعر، لان الصدقة ما كانت تحل لهم.

وقال سفيان بن عيينة: إنهم سألوا الصدقة وهم أنبياء وكانت حلالا لهم، وكان مجاهد يكره ان يقول الرجل في دعائه اللهم تصدق علي، لان الصدقة ممن يبتغي الثواب. والصدقة العطية للفقراء ابتغاء الاجر، ولهذا يطلق، فيقال: " إن الله يجزي المتصدقين " و " لا يضيع أجر المحسنين " (5) من العباد، والمعنى انه يثيبهم على ذلك.


1- سورة هود آية 45.

2- ديوانه 152 (دار بيروت) وتفسير الطبري 13: 29.

3- ديوانه 102 واللسان (صرم). ومجمع البيان 3: 259.

4- اللسان (زجا) ومجاز القرآن 1: 317.

5- سورة التوبة آية 121 وسورة هود آية 116 وسورة يوسف آية 90.