الآيات 12-15
قوله تعالى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ، فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ، وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
امر الله تعالى موسى (ع) أن يدخل يده في جيبه. وقيل: أراد كمه. وقيل: ثيابه " تخرج بيضاء من غير سوء " يعني من غير برص. وقال المبرد: السوء إذا أطلق يراد به البرص، وإذا وصل بشئ، فهو كلما يسوء، قال: وتقديره كأن هاتين مع بقية الآيات تسع آيات. والتقدير ادخل يدلك في جيبك فان ذلك مع إلقائك العصا، وما بعد ذلك من الآيات تسع آيات، كما يقال جاء فلان في جمع كثير، وهو أحد ذلك الجمع. وقيل: إن معنى (في) من. وقال ابن مسعود: اتى موسى فرعون وعليه جبة صوف. وقال مجاهد كان كمها إلى بعض يده. وقوله " إلى فرعون " تقديره مرسلا إلى فرعون وقومه في تسع آيات. وحذف كما قال الشاعر:
رأتني بخيليها فصدت مخافة * وفي الخيل دوعاء الفؤاد فروق (1)
اي رأتني مقبلا بخيليها. ثم اخبر تعالى عن فرعون وقومه بأنهم " كانوا قوما فاسقين " والآيات التسع التي كانت لموسى (ع): قلب العصا حية. واليد البيضاء. والجراد. والقمل. والضفادع، والدم. والبحر وانفلاقه. ورفع الطور فوق رؤسهم. وانفجار الحجر اثنتا عشرة عينا. وقيل: بدل البحر والجبل الطوفان والطمس. ذكره ابن زيد. ثم اخبر تعالى عن فرعون وقومه أنه لما جاءتهم آيات الله ودلائله مبصرة. وقيل في معنى مبصرة قولان:
أحدهما: انها تبصر الصواب من الخطأ، يقال أبصرته وبصرته بمعنى واحد، كقولك أكفرته وكفرته، وأكذبته وكذبته.
الثاني: مبصرة للحق من الباطل، فهي تهدي إليه كأنها تراه. قالوا عند ذلك إنه هذه الآيات " سحر مبين " أي ظاهر. ثم قال " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " والمعنى انهم عرفوها وعلموها بقلوبهم، لكنهم جحدوا بها بألسنتهم طلبا للعلو والتكبر، ففي ذلك دلالة على أنهم كانوا معاندين إذ جحدوا ما عرفوا. وقال الرماني: لا تدل على ذلك، لان معرفتهم كانت بوقوعها على الحقيقة. فأما الاستدلال على أنها من فعل الله ومن قبله ليدل بها على صدق من أعطاها إياه فبعد العلم بوقوعها. وقال أبو عبيدة: الباء زائدة، والمعنى وجحدوها، كما قال العجاج: نضرب بالسيف ونرجوا بالفرح (2) وقيل إنهم جحدوا ما دلت عليه من تصديق الرسول، كما تقول كذبت به أي بما جاء به. ثم قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله " فانظر " يا محمد ﴿ كيف كان عاقبة المفسدين ﴾ لان الله أهلكهم وغرقهم ودمر عليهم. ثم اخبر تعالى بأنه اعطى داود وسليمان علما من عنده، وانهما قالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين، بأن جعلنا أنبياء واختارنا من بين الخلائق. والعلم الذي اوتياه قيل: هو علم الاحكام. وقيل: هو العلم بمنطق الطير، وكلام البهائم.
1- تفسير الطبري 19 / 78.
2- قد مر في 7 / 118 من هذا الكتاب.