الآيات 6-10
قوله تعالى: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ، وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة إلا عاصما " وحزنا " بضم الحاء، واسكان الزاي. الباقون بفتحهما، وهما لغتان. يقال: حزن وحزن مثل نجل ونجل. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما " ويري فرعون وهامان " بالياء ورفع (فرعون، وهامان) باسناد الرؤية اليهما. الباقون بالنون، ونصب (فرعون وهامان) باسناد الفعل إلى الله، وكونهما مفعولين. لما اخبر الله تعالى أنه يريد ان يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة، أخبر في هذه الآية أنه يريد أن يمكنهم في الأرض، والتمكين هو فعل جميع مالا يصح الفعل ولا يحصل إلا معه: من القدرة والآلة واللطف وغير ذلك. وقال الرماني: اللطف لا يدخل في التمكين، لأنه لو دخل فيه لكان من لا لطف له لم يكن ممكنا، ولكن يقال: انه من باب إزاحة العلة. ثم بين انه تعالى " يري فرعون وهامان وجنودهما منهم " يعني من بني إسرائيل " ما كانوا يحذرون " من زوال ملكهم على يد رجل من بني إسرائيل، ولذلك ذبح فرعون أبناءهم. ومن قال: ان الآية في شأن المهدي (ع) حمل فرعون وهامان على فرعون هذه الأمة وهامانها، والكناية في " منهم " عائدة على أنصار المهدي (ع) قالوا: وهذه أولى، لأنه بلفظ الاستقبال، لان في أوله النون أو الياء على اختلاف القراءتين وهما للمضارعة. والحذر توقي ما فيه المضرة، فهؤلاء الذين طلبوا الحذر في غير وجهه، إذ قتلوا الأطفال ظلما لأجله، ولو طلبوه بالرجوع إلى الله، ودعائه ليكشف عنهم لكانوا طالبين له من وجهه. وقوله " وأوحينا إلى أم موسى " أي ألهمناها، وقذفنا في قلبها، وليس بوحي نوم، ولا نبوة - في قول قتادة وغيره - وقال الجبائي: كان الوحي رؤيا منام عبر منه مؤمن به من علماء بني إسرائيل. وقوله " أن ارضعيه " أي ألهمناها إرضاع موسى " فإذا خفت عليه فألقيه في اليم " فالخوف توقع ضرر لا يؤمن به. وقال الزجاج: معنى " أوحينا إلى أم موسى " أعلمناها، وقوله " فالقيه في اليم " أمر من الله تعالى لام موسى انها إذا خافت على موسى من فرعون أن ترضعه وتطرحه في اليم. واليم البحر، ويعني به النيل " ولا تخافي ولا تحزني " نهي من الله تعالى لها من الخوف والحزن، فإنه تعالى أراد أن ينزيل خوف أم موسى بما وعدها الله من سلامته على أعظم الأمور في القائه في البحر الذي هو سبب الهلاك في ظاهر التقدير، لولا لطف الله تعالى بحفظه حتى يرده إلى أمه. ووعدها بأنه يرده عليها بقوله " انا رادوه إليك " ووعدها أيضا بان يجعله من جملة الأنبياء المرسلين بقوله " وجاعلوه من المرسلين ". ثم اخبر ان آل فرعون التقطوه، وفي الكلام حذف، لان تقديره ان أم موسى طرحته في البحر ومضى في البرح إلى أن بلغ قصر فرعون فالتقطه آل فرعون. والالتقاط هو إصابة الشئ من غير طلب، ومنه اللقطة قال الراجز:
ومنهل وردته التقاطا * لم ألق إذ وردته فراطا (1)
وقوله " ليكون لهم عدوا وحزنا " اللام لام العاقبة، لأنهم لم يلتقطوه لان يصير لهم عدوا وحزنا، بل التقطوه ليكون قرة عين لهم، ومثله قول الشاعر: لدوا للموت وابنوا للخراب (2) ومنه قوله " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا " (3). ثم اخبر تعالى " إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين " عاصين لله في أفعالهم، ثم حكى تعالى أن امرأة فرعون لما جيئ بموسى إليها ورأته وعطف الله بقلبها عليه جاءت به إلى فرعون، وقالت " قرة عين لي ولك " أي قرة عين هذا الولد لي ولك " لا تقتلوه عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا " إذا ربيناه وكبر " وهم لا يشعرون " بأن هلاكهم على يديه، في قول قتادة. ثم قال " وأصبح فؤاد أم موسى فارغا " قال ابن عباس وقتادة والضحاك: معناه فارغا من كل شئ إلا من ذكر موسى. وقال الحسن وابن زيد وابن إسحاق: فارغا من وحينا بنسيانه، فإنها نسيت ما وعدها الله به. وقيل: فارغا من الحزن لعلمها بأن ابنها ناج سكونا إلى ما وعد الله وقبلت به. وقوله " إن كادت لتبدي به " قال ابن عباس وقتادة والسدي: معناه كادت لتبدي بذكر موسى. وتقول: يا ابناه. وقيل: ان كادت لتبدي بالوحي. وقوله " لولا أن ربطنا على قلبها " فالربط على القلب تقويته على الامر حتى لا يخرج منه إلى مالا يجوز. وجواب (لولا) محذوف، وتقديره لولا أن ربطنا على قلبها لأظهرته. وقوله " لتكون من المؤمنين " معناه فعلنا ذلك بها لتكون من جملة المؤمنين المصدقين بتوحيد الله وعدله.
1- تفسير الطبري 20 / 19 والقرطبي 13 / 252.
2- مر في 3 /؟6 و 5 / 43.
3- سورة 7 الأعراف آية 178.