الآيات 76-80

قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَوَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير " ولا يسمع " بياء مفتوحة وفتح الميم " الصم " بالرفع. ومثله في الروم. الباقون " تسمع " بالتاء وكسر الميم " الصم " بالنصب، فوجه قراءة ابن كثير انه أضاف الفعل إلى الصم، فلذلك رفعه. ووجه قراءة الباقين أنهم أضافوا الفعل إلى النهي صلى الله عليه وآله وجعلوا الصم مفعولا ثانيا. اخبر الله تعالى أن هذا القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله " يقص على بني إسرائيل أكثر " الأشياء التي اختلفوا فيها الكفار. والقصص كلام يتلو بعضه بعضا فيما ينبئ عن المعنى، ومن أجاب غيره عما سأل لم يقل له انه يقص لأنه اقتصر على مقدار ما يقتضيه السؤال. والاختلاف ذهاب كل واحد إلى خلاف ما ذهب إليه صاحبه. والاختلاف أيضا امتناع أحد الشيئين أن يسد مسد صاحبه فيما يرجع إلى ذاته. واختلاف بني إسرائيل نحو اختلافهم في المسيح حتى قالت اليهود فيه ما قالت، وكذبت بنبوته. وقالت النصارى ما قالته من نبوته، ووجوب إلهيته، وكاختلاف اليهود في نسخ الشريعة، فأجازه قوم في غير التوراة وأباه آخرون، فلم يجيزوا النسخ أصلا، واعتقدوا أنه بدأ. وكاختلافهم في المعجز، فقال بعضهم: لا يكون إلا بما لا يدخل تحت مقدور العباد. وقال آخرون: قد يكون إلا أنه ما يعلم أنه لا يمكن العباد الاتيان به، وكاختلافهم في صفة المبشر به في التوراة، فقال بعضهم: هو يوشع بن نون. وقال آخرون: بل هو منتظر لم يأت بعد. وكل ذلك قد دل القرآن على الحق فيه. وقيل: قد بين القرآن اختلافهم في من سلف من الأنبياء. وقيل: ان بني إسرائيل اختلفوا حتى لعن بعضهم بعضا كالإسماعيلية والعنانية والسامرة. ثم وصف تعالى القرآن ب? " انه لهدى ورحمة للمؤمنين " معناه انه بيان للحق فيما وقع الاختلاف فيه من بني إسرائيل وغيرهم إذا رجعوا إليه علموا مفهومه، وانه من عند حكيم، لا يقول إلا بالحق، فالهدى الدلالة على طريق الحق الذي من سلكه أداه إلى الفوز بالنعيم في جنة الخلد، فالقرآن هدى من هذا الوجه، ورحمة للمؤمنين في تأديته إلى ما فيه من مرضات الله تعالى. ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال ﴿ ان ربك ﴾ يا محمد ﴿ يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم ﴾ أي العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالمحق المبين منهم من المبطل. وقيل: العليم بصحة ما يقضي به العزيز بما لا يمكن رد قضائه، فهو يقضي بين المختلفين بما لا يمكن أن يرد ولا يلتبس بغير الحق. وفى الآية تسلية للمحقين الذين خولفوا في أمر الدين، لان أمرهم يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين بمالا يمكن دفعه ولا تلبيسه. ثم خاطب بينه صلى الله عليه وآله فقال ﴿ فتوكل على الله ﴾ يا محمد ﴿ انك على الحق المبين ﴾ الظاهر البين في ما تدعو إليه، ثم شبه الكفار بالموتى الذين لا يسمعون ما يقال لهم، وبالصم الذين لا يدركون دعاء من يدعوهم، من حيث إنهم لم ينتفعوا بدعائه ولم يصيروا إلى ما دعاهم إليه، فقال ﴿ انك ﴾ يا محمد ﴿ لا تسمع الموتى ﴾ لان ذلك محال ﴿ ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين ﴾ أي اعرضوا عن دعائك ولم يلتفتوا إليه ولم يفكروا في ما تدعوهم إليه، فهؤلاء الكفار بترك الفكر في ما يدعوهم إليه النبي صلى الله عليه وآله بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، وبمنزلة الصم الذين لا يدركون الأصوات.