الآيات 71-75

قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾

حكى الله تعالى عن هؤلاء الكفار أنهم " يقولون متى هذا الوعد " الذي توعدنا به " ان كنتم صادقين " في اخباركم بذلك في البعث والنشور، والوعد من الحكيم على ضربين:

أحدهما: أن يكون مقيدا بوقت، فإذا جاء ذلك الوقت فلابد أن يفعل فيه ما وعد به.

الثاني: أن يكون مطلقا غير موقت إلا أنه لابد أن يكون معلوما لعلام الغيوب الوقت الذي يفعل فيه الموعد به، فإذا كان ذلك الوقت معلقا بزمان تعين عليه الفعل في ذلك الوقت، فلابد للموعود به من وقت، وإن لم يذكر مع الوعد. ثم امر نبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لهم " عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون " فعسى من الله واجبة، والمعنى ان الذي وعدكم الله به لابد أن يردفكم، والردف الكائن بعد الأول قريبا منه. والفرق بينه وبين التابع أن في التابع معنى الطلب لموافقة الأول، وترادف إذا تلاحق، تلاحقا ترادفا، واردفه اردافا. ومعنى " ردف لكم " قرب منكم ودنا - في قول ابن عباس - وقيل: تبع لكم. والاستعجال طلب الامر قبل وقته، فهؤلاء الجهال طلبوا العذاب قبل وقته تكذيبا به. وقد أقام الله عليهم الحجة فيه. و (ردف) من الافعال التي تتعدى بحرف وبغير حرف، كما قال الشاعر:

فقلت لها الحاجات تطرحن بالفتى * وهم يعناني معنا ركائبه (1)

وقيل: ان الباء إنما دخلت للتعدية. وقيل: إنما دخلت لما كان معنى تطرحن ترمين، وكذلك لما كان معنى " ردف لكم " دنا، قال " لكم " قال المبرد: معناه ردفكم واللام زائدة. وقيل " بعض الذي تستعجلون " يوم بدر. وقيل: عذاب القبر. ثم قال " وإن ربك لذو فضل على الناس " والفضل الزيادة على ما للعبد بما يوجبه الشكر، فالعدل حق العبد. والفضل فيه واقع من الله لا محالة إلا أنه على ما يصح وتقتضيه الحكمة. ثم اخبر ان " أكثر الناس لا يشكرون " الله على نعمه بل يكفرونه. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " وإن ربك " يا محمد " ليعلم ما تكن صدورهم " أي ما تخفيه صدورهم، يقال: كننت الشئ في نفسي، وأكننته إذا سترته في نفسك، فهو مكن ومكنون لغتان. قال الرماني: الأكنان جعل الشئ بحيث لا يلحقه أذى لمانع يصد عنه " وما يعلنون " أي يعلم ما يظهرونه أيضا. ثم قال " وما من غائبة في السماء والأرض " أي ليس شئ يغيب علمه عن أهل السماء والأرض " إلا " ويبينها الله " في كتاب مبين " وهو الكتاب المحفوظ. وقال الحسن: الغائبة القيامة. وقال النقاش: ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض. وقيل: هو ما أخفاه الانسان عن قلبه وعينه. وقال البلخي: معنى " في كتاب مبين " أي هو محفوظ لا ينساه كما يقول القائل: أفعالك عندي مكنونة أي محفوظة.


1- البيت في مجمع البيان 4 / 231.