الآيات 56-60
قوله تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ، أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾
الاعراب:
نصب (جواب قومه) بأنه خبر (كان) واسمعها (أن قالوا) ولا يجوز وقع جواب - ههنا - لان ما بعد الايجاب وما قبلها نفي، والنفي أحق بالخبر من الايجاب، ومثله " ما كان حجتهم إلا قالوا " (1). اخبر الله تعالى عن قوم لوط حين قال لهم لوط ما تقدم ذكره، منكرا عليهم انه لم يكن لهم جواب عن ذلك، بل عدلوا إلى أن قالوا، بعضهم لبعض خرجوا لوطا ومن تبعه " من قريتكم " فإنهم " أناس يتطهرون " أي يتطهرون عن عملكم في إتيان الذكران من العالمين إذ تأمرونهم، ويتنزهون عن ذلك، فلا تجاوروهم وهذه صفتهم - وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة - فأخبر الله تعالى أنه أهلك هؤلاء القوم بأجمعهم وأنجى لوطا وأهله الذين آمنوا به من ذلك الهلاك واستثنى من جملة أهله امرأته، واخبر انه " قدرناها من الغابرين " أي جعلها من الغابرين لان جرمها على مقدار جرمهم، فلما كان تقديرها كتقديرهم في الاشراك بالله جرت مجراهم في انزال العذاب بهم. وقيل: " قدرناها " أي بما كتبنا إنها من الغابرين، وأخبر تعالى انه أمطر عليهم مطرا. قال الحسن: أمطرت الحجارة على من خرج من المدينة، وخسف المدينة باهلها، فهم يهوون إلى يوم القيامة " فساء مطر المنذرين " وهم الذين أبلغهم لوط النذارة، وأعلمهم بموضع المخافة ليتقوها، فخالفوا ذلك. ونقيض النذارة البشارة، وهي الاعلام بموضع الامن ليجتبى، والنذير البشير ينذر بالنار ويبشر بالجنة. ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وآله قل يا محمد " الحمد لله " شكرا على نعمه بأن وفقنا للايمان " وسلام على عباده الذين اصطفى " يعني اجتباهم، الله واختارهم يقال: صفا يصفو صفاء، وأصفاه بكذا إصفاء، واصطفاه اصطفاء، ويصفى تصفيا وصفاء وتصفية، وصافاه مصافاة. وقوله " أما يشركون " من قرأ - بالتاء - وجهه إلى أنه خطاب لهم. ومن قرأ - بالياء - فعلى الخبر. وقوله " آلله خير أما " معناه خير لنا منا لأنفسا، ولفظ أفعل لا يدخل إلا بين شيئين يشتركان في حكم ويفضل أحدهما على صاحبه، وما يعبدون من دون الله لا خير فيه. قال أبو علي: يجوز أن يقع ذلك في الخير الذي لا شر فيه، والشر الذي لا خير فيه. وإن كان يتوهم بعض الجهال الامر على خلاف ما هو به، فتقول: هذا الخير خير من الشر. وانكر على من خالف هذا. وأجاز قوم من أهل اللغة ذلك على ما مضى القول فيه في غير موضع. ثم قال لهم: أمن الذي " خلق السماوات والأرض " بأن أنشأها واخترعها " وانزل لكم من السماء ماء يعني غيثا ومطرا ﴿ فأنبتنا به ﴾ بذلك الماء ﴿ حدائق ﴾ وهي جمع حديقة، وهي البستان إذا كان عليه حائط يحوطه ﴿ ذات بهجة ﴾ إنما وصف (الحدائق) بلفظ الواحد في قوله ﴿ ذات ﴾ لان معناه جماعة ذات بهجة. وقيل: الحديقة البستان الذي فيه النخل، و (البهجة) منظر حسن ابتهج به إذا سر. ثم قال ﴿ ما كان لكم ان تنبتوا شجرها ﴾ أي لم تكونوا تقدرون على انبات شجر الحديقة، لان الله تعالى هو القادر عليه لا غيره. ثم قال منكرا عليهم ﴿ أإله مع الله ﴾ يقدر على ذلك. ثم قال ﴿ بل هم قوم يعدلون ﴾ بالله غيره لجهلهم، وقيل: يعدلون عن الحق. ومعنى الآية التنبيه على أن من قدر على انبات الحدائق ذات الشجر واخراج الشجر بأكرم الثمار، يجب اخلاص العبادة له، وإن من عدل إلى الاشراك به كافر بهذه النعمة الخفية.
1- سورة 45 الجاثية آية 24.