الآيات 46-50

قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ، وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي وخلف ﴿ لتبيتنه وأهله ثم لتقولن ﴾ بالتاء فيهما جميعا. الباقون بالنون. وقرأ مجاهد بالياء. وقرأ أبو بكر عن عاصم ﴿ مهلك ﴾ بفتح الميم واللام، وفي رواية حفص - بفتح الميم وكسر اللام - الباقون - بضم الميم وفتح اللام - قال أبو علي: من قرأ بضم الميم احتمل المرين:

أحدهما: أراد المصدر من إهلاك أهله أي لم نشهد اهلاكهم.

الثاني: أن يكون المراد لم نشهد موضع إهلاكهم. وقراءة حفص أيضا تحتمل أمرين:

أحدهما: ما شهدنا موضع هلاكهم.

الثاني: المصدر اي ما شهدنا هلاكهم. وقراءة أبى بكر معناها المصدر. لما اخبر الله تعالى انه ارسل صالحا إلى قومه، وانهم كانوا فريقين، مسلم وكافر، يخاصم بعضهم بعضا، قال لهم صالح ﴿ يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ﴾ فالاستعجال طلب التعجيل، وهو الاتيان به قبل وقته. وكان هؤلاء الجهال إذا خوفوا بالعقاب قالوا، على جهة الانكار لصحته متي هو؟وهلا يأتينا به؟، فقال لهم صالح ﴿ لم تستعجلون ﴾ ذلك: قال مجاهد. يعني العذاب قبل الرحمة، والسيئة - ههنا - المراد بها العقاب سماها سيئة لما فيها من الآلام ولأنها جزاء على الافعال السيئة، لان السيئة هي الخصلة التي تسوء صاحبها حين يجدها. والسيئة أيضا هي الفعل القبيح الذي، لا يجوز لفاعلها فعلها، ونقيضها الحسنة. فقال لهم ﴿ لولا تستغفرون الله ﴾ ومعناه هلا تسألون الله الغفران به بدلا من استعجال العقاب ﴿ لعلكم ترحمون ﴾ وإنما خرجت (لولا) إلى معنى (هلا) لأنها كانت لامتناع الشئ لكون غيره، كقولك: لولا زيد لاتيتك، فخرجت إلى الانكار، لامتناع الشئ لفساد سببه فقال ﴿ لولا تستغفرون الله ﴾ منه. ثم اخبر بما أجابوه، لأنهم قالوا ﴿ اطيرنا بك وبمعنى معك ﴾ أي وبمن هو على دينك، فالتطير التشاؤم، وهو نسبة الشؤم إلى الشئ على ما يأتي به الطير من ناحية اليد اليسرى وهو البارح، والسانح هو اتيانها من جهة اليد اليمنى. واصل، (اطيرنا) تطيرنا، دخلت فيه ألف الوصل، لما سكنت الطاء للادغام، فقال لهم صالح ﴿ طائركم عند الله ﴾ أي الشئ الذي تحذرونه بالتطير ﴿ عند الله ﴾ لأنه القادر على عقابكم بما أنتم عليه من الكفر. والمعنى - في قول ابن عباس - معاقبتكم عند الله. ثم قال لهم: ليس ذلك للتشاؤم والتطير ﴿ بل أنتم قوم تفتنون ﴾ فالفتنة - ههنا - قولهم ما زين لهم من الباطل. ثم اخبر تعالى أنه " كان في المدينة " التي بعث الله منها صالحا " تسعة رهط يفسدون في الأرض " أي يفعلون فيها المعاصي " ولا يصلحون " أي لا يفعلون الطاعات. وقوله " قالوا تقاسموا بالله " قيل في معناه قولان:

أحدهما: قالوا متقاسمين إلا أنه يحذف منه قد.

والآخر: انه أمر، وليس بفعل ماض. " لنبيتنه وأهله " حكاية أنهم قالوا: ﴿ لنبيتنه ﴾ فمن قرأ بالنون أراد إنا نفعل بهم ذلك ليلا. ومن قرأ بالتاء، فعلى انه خاطب بعضهم بعضا بذلك. ولمعنى انهم تحالفوا: لنطرقنهم ليلا، يقال لكل عمل بالليل تبييت، ومنه قوله ﴿ إذ يبيتون مالا يرضى من القول ﴾ (1) وانشد أبو عبيدة:

اتوني فلم ارض ما بيتوا * وكانوا اتوني بأمر نكر

لانكح أمهم منذرا * وهل ينكح العبد حر لحر (2)

وقال ابن إسحاق انهم لما اتوا صالحا لتبييته، دفعتهم الملائكة بالحجارة، ﴿ ثم لنقولون لوليه ﴾ معناه إنهم قالوا إذا قال لنا وليه وناصره: من فعل هذا قلنا له ﴿ ما شهدنا مهلك أهله ﴾ فمن ضم الميم أراد ما رأينا إهلاكه. ومن فتح الميم أراد مكان هلاكهم أو اهلاكهم يريد المصدر ﴿ وانا لصادقون ﴾ في هذا القول. ثم اخبر تعالى انهم " مكروا " بهذا القول " ومكرنا " نحن أيضا مكرا بأن جازيناهم على مكرهم وجعلنا وباله عليهم فانا أهلكناهم عن آخرهم. وقيل: ان الله أرسل عليهم صخرة أهلكتهم. ويحتمل أن يكون المعنى في " مكرنا " انا أنجينا المؤمنين بالمكر بالكفار بكل ما يقدرون عليه من الاضرار بهم، وإلجائهم إلى الايمان. وإنما نسبه إلى نفسه لما كان بأمره.

1- سورة 4 النساء آية 107.

2- مر تخريجه في 3 / 269، 319.