الآية 117

قوله تعالى: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ هذا اخبار عن عيسى (ع) أنه يقول لله تعالى لله تعالى في جواب ما قرره عليه اني لم أقل للناس الا ما أمرتني به، من الاقرار لك بالعبودية وأنك ربي وربهم وإلهي وإلههم، وأمرتهم بأن يعبدوك وحدك ولا يشركوا معك في العبادة. وقال: اني كنت شهيدا أي شاهدا عليهم ما دمت فيهم بما شاهدته منهم وعلمته وبما بلغتهم من رسالتك التي حملتنيها وأمرتني بأدائها إليهم ما دمت حيا بينهم " فلما توفيتني " أي قبضتني إليك وأمتني " كنت أنت الرقيب عليهم " والرقيب هو الذي يشاهد القوم ويرقب ما يعملون ويعرف ذلك، ثم اعترف بأنه تعالى " على كل شئ شهيد " لأنه عالم بجميع الأشياء لا يخفى عليه خافية ولا يغيب عنه شئ فهو يشهد على العباد بكل ما يعملونه. وفي اخباره تعالى عن المسيح أنه نفى القول الذي أدعوه عليه تأكيد لتبكيت النصارى وتكذيب لهم وتوبيخ على ما ادعوه من ذلك عليه. قال الجبائي وفي الآية دلالة على أنه تعالى أمات عيسى (ع) وتوفاه عندما رفعه، لأنه بين انه كان شهيدا عليهم. وتوفيه إياه بعدان كان بينهم إنما كان عند رفعه إياه إلى السماء عندما أرادوا قتله. وعندي أن الذي ذكره لا يدل على أنه أماته، لان التوفي هو القبض إليه ولا يستفاد منه الموت الا بشاهد الحال. ولذلك قال تعالي " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها " (1) فبين انه يتوفى التي لم تمت فنفس التوفي لا يفيد الموت بحال. وقوله " أن اعبدوا الله " يجوز أن تكون (أن) بمعنى (أي) مفسرة في قول سيبويه، كما قال " وانطلق الملا منهم أن أمشوا (2) أي أمشوا، لأنها مفسرة لما قبلها. والمعنى ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله. ويجوز أن تكون (أن) في موضع خفض على البدل من الهاء وتكون (أن) موصولة ب? (اعبدوا الله). ومعناه الا ما أمرتني به بأن يعبدوا الله، ويجوز أن تكون موضعها نصبا على البدل من (ما) والمعنى ما قلت لهم شيئا الا أن اعبدوا الله، أي ما ذكرت لهم إلا عبادة الله. وقوله " أن اعبدوا الله ربي وربكم " شاهد بلفظ الإنجيل فإنه ذكر في الفصل الرابع من إنجيل لوقا، قال المسيح: ، مكتوب أن اسجد لله ربك وإياه وحده فأعبد، وهذا لفظه وهو صريح التوحيد.


1- سورة 39 الزمر آية 42.

2- سورة 38 ص آية 6.