الآية 114

قوله تعالى: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾

أخبر الله تعالى عن عيسى (ع) أنه سأل ربه أن ينزل عليه مائدة من السماء تكون عيدا لهم لأولهم وآخرهم على ما يقترحه قومه. ورفع (تكون) لأنه صفة للمائدة كما قال " فهب لي من لدنك وليا يرثني " (1) في قراءة من رفعه لأنه جعله صفة. وفيه محذوف، لان تقديره عيدا لنا ولأولنا وآخرنا لتصح الفائدة في تكرير اللام في أولنا وآخرنا، وقيل في معناه قولان:

أحدهما: نتخذ اليوم الذي تنزل فيه عيدا نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا - في قول السدي وقتادة وابن جريج - وهو قول أبي علي.

الثاني: يكون ذلك عائدة فضل من الله ونعمة منه تعالى. والأول هو وجه الكلام. وقيل: إنها نزلت يوم الأحد. وقوله " وآية منك " فالآية هي الدلالة العظيمة الشأن في إزعاج قلوب العباد إلى الاقرار بمدلولها، والاعتراف بالحق الذي يشهد به ظاهرها، فهي دلالة على توحيدك وصحة نبوة نبيك. وقيل في طعام المائدة ثلاثة أقوال:

أولها: قال ابن عباس وأبو عبد الرحمن: هو خبز وسمك، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قال عطية كانوا يجدون في السمك طيب كل طعام.

الثاني: قال عمار بن ياسر: كان ثمرا من ثمار الجنة.

الثالث: قال زادان وأبو ميسرة: كان عليها من كل طعام إلا اللحم. وقوله: " وارزقنا " قيل في معناه - هاهنا - قولان:

أحدهما: واجعل ذلك رزقا لنا.

الثاني: وارزقنا الشكر عليها - ذكرهما الجبائي - وإنما يكون الشكر رزقا منه لنا لأنه لطف فيه ووفق له وإعانة عليه كما يكون المال رزقا لنا إذا ملكنا إياه لا بخلقه له. وفي الآية دلالة على أن العباد يرزق بعضهم بعضا بدلالة قوله " وأنت خير الرازقين " لأنه لو لم يصح ذلك لم يجز (خير الرازقين) كما أنه لما لم يجز أن يكونوا آلهة لم يصح أن يقول أنت خير الآلهة، وصح " أرحم الراحمين " (2) و " أحكم الحاكمين " (3) و " أسرع الحاسبين " (4). و " أحسن الخالقين " (5).

1- سورة 19 مريم آية 4 - 5.

2- سورة 7 الأعراف آية 150 وسورة 21 الأنبياء آية 83 وسورة 12 يوسف آية 64 و 92.

3- سورة 11 هود آية 45 وسورة 95 التين آية 8.

4- سورة 6 الانعام آية 62.

5- سورة 23 المؤمنون آية 14 وسورة 37 الصافات آية 125.