الآية 111
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾
التقدير واذكر إذ أوحيت إلى الحواريين. وفي معنى " أوحيت " قولان:
أحدهما: أن معناه ألهمتهم كما قال " وأوحى ربك إلى النحل " (1) أي ألهمها. وقيل أمرتهم.
الثاني: ألقيت إليهم بالآيات التي أريتهم إياها كما قال الشاعر:
الحمد لله الذي استقلت * باذنه السماء واطمأنت أوحى لها القرار فاستقرت (2)
أي القى إليها ويروى وحى لها. والفرق بين أوحى ووحى من وجهين:
أحدهما: أن أوحى بمعنى جعلها على صفة كقولك جعلها مستقرة، ووحى جعل فيها معنى الصفة، لان أفعل أصله التعدية.
وقال قوم: هما لغتان. وقال البلخي معنى " أوحيت إلى الحواريين " أي أوحيت إليك أن تبلغهم أو إلى رسول متقدم. وقوله (أوحيت إليهم) يعني أوحيت إلى الرسول الذي جاءهم. وفي معنى الآية قولان:
أحدهما: قال أبو علي اذكر نعمتي عليك إذ أوحيت إلى الحواريين الذين هم أنصارك.
الثاني: اذكر نعمتي على الحواريين لما في ذلك من العلم بنعم الله خاصة وعامة. وإنما حسن الحذف في التذكير بالنعمة للشهرة وعظم المنزلة باجلال النعمة ولذلك يحسن الحذف في الافتخار كقول الأعشى:
إن محلا وان مرتحلا * وإن في السفر إذ مضوا مهلا (3)
أي لنا محلا. و (الحواريون) قال الحسن هم أنصار عيسى. وقيل: هم وزراؤه على أمره. وقيل: هم خاصة الرجل وخلصائه. ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله للزبير أنه حواري، ومعناه خالصتي من الناس، والرفيق الحواري، لأنه أخلص إليه من كل ما يشوبه، وأصله الخلوص، ومنه حار يحور أي رجع إلى حال الخلوص، ثم كثر حتى قيل صار لكل راجع وقيل: انهم كانوا قصارين.1- سورة 16 النحل آية 68.
2- انظر 2 / 59.
3- ديوانه القصيدة: 35 صفحة 155.