الآيات 101-102

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ، قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ﴾

قيل في سبب نزول هذه الآية قولان:

أحدهما: قال ابن عباس وأنس وأبو هريرة والحسن وقتادة وطاوس والسدي: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله رجل يقال اله عبد الله وكان يطعن في نسبه فقال: يا رسول الله من أبي، فقال له حذافة. فنزلت الآية.

وقال أبو هريرة ومجاهد: نزلت حين سألوا عن أمر الحج لما انزل " ولله على الناس حج البيت " فقالوا: في كل عام؟ قال: لا ولو قلت نعم لوجب. وقال قوم وقع السؤال الأول والثاني في مجلس واحد، فخاطب الله تعالى بهذه الآية المؤمنين ونهاهم عن مسألة الأشياء التي إذا أبديت وأظهرت ساءت وأحزنت من أظهرت له. يقال بدا يبدو بدوا. وأبداه إبداء إذا أظهره وبدا له في الامر بدوا وبدا وبداء إذا تغير رأيه، لأنه ظهر له. والبادية خلاف الحاضرة. والبدو خلاف الحضر من الظهور. وقيل في وزن (أشياء) ثلاثة أقوال:

قال الكسائي: هو أفعال إلا أنه لم يصرف، لأنهم شبهوه بحمراء فالزمه الزجاج ألا يصرف أسماء ولا انباء.

الثاني: قال الأخفش والفراء هي (فعلاء) كقولك هين وأهوناء فالزمه المازني وقال: سله كيف يصغرها؟ فقال الأخفش (أشياء) فقال يجب ان يصغرها شيئات كما يصغر أصدقاء في المؤنث صديقات في المذكر صد يقون. قال الزجاج إنما قيل في هين: أهوناء لان هين أصله (هيين) على وزن فعيل فجمع على أفعلاء كنصب وانصباء.

الثالث: قال الخليل وسيبويه: (افعاء) مقلوبة كما قلبوا (أنيق) عن أنوق، وقسمي عن قؤوس. وقوله " تسؤكم " معناه تحزنكم. وقوله " عفا الله عنها والله غفور رحيم " قيل فيما يعود الضمير إليه في (عنها) قولان:

أحدهما: قال قوم على المسألة، لان قوله " لا تسألوا " دليل عليها فيكون العفو عن مسألتهم التي سلفت منهم.

الثاني: على الأشياء التي سألوا عنها من أمور الجاهلية، وما جرى مجراها مما يسؤهم تشديد المحنة فيها. وقوله " قد سألها قوم من قبلكم " قال ابن عباس: سأل قوم عيسى (ع) إنزال المائدة ثم كفروا بها. وقال غيره: هو قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها وكفروا بها. وقال السدي هذا حين سألوا أن يحول لهم الصفا ذهبا. وقال أبو علي: إنما كانوا سألوا نبيهم عن مثل هذه الأشياء يعني من آيات ونحوها فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وآله قالوا: ليس الامر كذلك، فكفروا به وقال الرماني: السؤال هو طلب الشئ اما بايجاده واما باحضاره واما بالبيان عنه، والذي يجوز السؤال عنه هو ما يجوز العمل عليه من أمر دين أو دنيا. وما لا يجوز العمل عليه من أمر دين أو دنيا لا يجوز السؤال عنه ولا يجوز أن يسأل الله تعالى شيئا إلا بشرط انتقاء وجود القبح عن الإجابة، فعلى هذا لا يجوز أن يسأل الانسان: من أبي لان المصلحة اقتضت ان من ولد على فراش انسان حكم بأنه ولده. وإن لم يكن مخلوقا من مائه، فالمسألة بخلافه سفه لا يجوز.