الآية 79
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾
القراءة والنزول:
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو " تعلمون " مخففا الباقون بالتشديد. روي عن ابن عباس أنه قال: سبب نزول هذه الآية أن قوما من اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وآله أتدعونا إلى عبادتك كما دعا المسيح النصارى فنزلت الآية.
اللغة والمعنى:
وقوله: (لبشر) فإنه يقع على القليل والكثير وهو بمنزلة المصدر مثل الخلق وغيره، تقول: هذا بشر وهؤلاء بشر كما تقول: هذا خلق وهؤلاء خلق. وإنما وقع المصدر على القليل، والكثير، لأنه جنس الفعل كما وجب في أسماء الأجناس كالماء والتراب ونحوه وقوله: " أن يؤتيه الله الكتاب " معناه أعطاه " الكتاب، والحكم والنبوة "، أن " يقول للناس: كونوا عبادا لي من دون الله ولكن " يقول لهم: " كونوا ربانيين ". وحذف يقول لدلالة الكلام عليه. ومعناه في قول الحسن: علماء فقهاء. وقالوا سعيد بن جبير: حكماء أتقياء. وقال ابن أبي رزين: حكماء علماء. وقال الزجاج: معناه معلمي الناس. وقال غيره: مدبري أمر الناس في الولاية بالاصلاح.
اللغة:
وفي أصل رباني قولان:
أحدهما: الربان وهو الذي يرب أمر الناس بتدبيره له وإصلاحه إياه، يقال رب أمره يربه ربابة، وهو ربان: إذا دبره، وأصلحه، ونظيره نعس ينعس، فهو نعسان. وأكثر ما يجئ فعلان من فعل يفعل، نحو عطش يعطش، فهو عطشان فيكون العالم ربانيا، لأنه بالعلم يدبر الامر ويصلحه.
الثاني: إنه مضاف إلى علم الرب تعالى، وهو على الدين الذي أمر به إلا أنه غير في الإضافة، ليدل على هذا المعنى، كما قيل: بحراني، وكما قيل للعظيم الرقبة: رقباني، وللعظيم اللحية: لحياني. وكما قيل لصاحب القصب: قصباني، فكذلك صاحب علم الدين الذي أمر به الرب رباني.
الحجة، والمعنى:
ومن قرأ بالتخفيف أراد بما كنتم تعلمونه أنتم. ومن قرأ بالتشديد أراد تعلمونه، لسواكم. وقوله: " وبما كنتم تدرسون " يقوي قراءة من قرأبا بالتخفيف. والتشديد أكثر فائدة، لأنه يفيد أنهم علماء، وأنهم يعلمون غيرهم. والتخفيف لا يفيد أكثر من كونهم عالمين. وإنما دخلت الباء في قوله: " بما كنتم تعلمون " لاحد ثلاثة أشياء:
أحدها: كونوا معلمي الناس بعلمكم، كما تقول: انفعوهم بما لكم.
الثاني: كونوا ممن يستحق أن يطلق عليه صفة عالم بعلمه على جهة المدح له باخلاصه مما يحبطه.
الثالث: كونوا ربانيين في علمكم ودراستكم ووقعت الباء في موضع في.