الآية 70

قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾

اللغة:

قوله: " يا أهل " نصب، لأنه منادى مضاف. وقوله: " لم " أصله لما، لأنها (ما) التي للاستفهام دخلت عليها اللام وإنما حذفت لاتصالها بحرف الإضافة مع وقوعها ظرفا تدل عليها الفتحة. وكذلك قياسها مع سائر حروف الإضافة مثل " فيم تبشرون " (1) " وعم يتساءلون " (2) وإنما حذفت الألف من (ما) في الاستفهام، ولم تحذف من (ما) في الصلات لان الظرف أقوى على التغيير من وسط الاسم كما يقوى على التغيير بالاعراب، والتنوين. والألف في الصلة بمنزلة حرف في وسط الاسم، لأنه لا يتم إلا بصلته، وليس كذلك الاستفهام، لان الألف فيه منتهى الاسم، و (لم) أصلها (لما) وهي مخالفة عند البصريين ل? (كم) على ما قاله الكسائي أن أصلها كما، لان (كم) مخالفة (لما) في اللفظ، والمعنى: أما في اللفظ، فلانه كان يجب أن تبقى الفتحة لتدل على الألف، كما بقيت في (لم) ونحوه، والامر بخلافه. وأما في المعنى، فلان (كم) سؤال عن العدد، و (ما) سؤال عن الجنس، فليست منها في شئ، ولا لكاف التشبيه في (كم) معنى، ويلزمه في متى أن تكون أصلها (ما) إلا أنهم زادوا التاء، لأنه تغيير من غير دليل، فإذا لم يمنع في أحدهما لم يمنع في الاخر. وإنما بني على نظيره في حذف الألف، فلذلك يلزمه أن يبنى على نظيره في زيادة التاء قبل الألف، نحو (رهبوتى خير من رحمونى) قال الزجاج: قول الكسائي في هذا لا يعرج عليه.

المعنى:

وقوله: (لم تكفرون بآيات الله) معناه لم تجحدون آيات الله. " وأنتم تشهدون " قيل في معناه قولان:

أحدهما: وأنتم تشهدون بما يدل على صحتها من كتابكم الذي فيه البشارة بها في قول قتادة والربيع والسدي.

والثاني: وأنتم تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء التي تقرون بها. والشهادة الخبر بالشئ عن مشاهدة: إما للخبر به، وإما لما يظهر به ظهوره بالمشاهدة. فإذا شهد بالاقرار، فهو مشاهدة المخبر به، وإذا شهد بالملك، فهو يظهر به ظهوره بالمشاهدة. وإنما قيل: شهد بالباطل، لأنه يخبر عن مشاهدة في دعواه. وقوله: (وأنتم تشهدون) فيه حذف، وتقديره " وأنتم تشهدون " ما عليكم فيه الحجة فحذف للايجاز مع الاستغناء عنه بالتوبيخ الذي تضمنه الكلام. والحجة في ذلك من وجهين:

أحدهما: الاقرار بما فيه من البشارة من الكتاب.

والثاني: الاقرار بمثله من الآيات.


1- سورة النبأ آية: 1.

2- اللسان (وجه) والأغاني 16: 27، ومجاز القرآن 1: 97، وحماسة أبي تمام 3: 26 وخزانة الأدب 3: 538 من أبيات قالها لما قتل حميمه مالك بن زهير، وقد استعد لطلب ثاره وبعده: يجد النساء حوسرا يندبنه * يبكين قبل تبلج الأسحار قد كن يخبأن الوجوه تسترا * فاليوم حين برزن للنظار بخمشن حرات الوجوه على امرئ * سهل الخليقة طيب الاخبار.