الآية 67
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
المعنى:
ذكر الحسن، وقتادة، وعامر، وهو المروي عن أبي جعفر (ع): أن اليهود قالت: كان إبراهيم يهوديا، وقالت النصارى كان نصرانيا، فأكذبهم الله في ذلك بانزال هذه الآية. فان قيل: هل كان الله تعبد باليهودية والنصرانية ثم نسخها أم لا؟قلنا: كان الذي بعثه الله به شرع موسى ثم شرع عيسى ثم نسخهما فأما اليهودية والنصرانية فصفتا ذم قد دل القرآن والاجماع على ذلك، لان موسى لم يكن يهوديا، وعيسى لم يكن نصرانيا، لقوله تعالى: " ان الدين عند الله الاسلام " واليهودية ملة محرفة عن شرع موسى وكذلك النصرانية محرفة عن شرع عيسى. وقيل في أصل الصفة بيهود قولان:
أحدهما: أنهم ولد يهود.
والاخر: أنه مأخوذ من هاد يهود إذا رجع. وفي النصارى قولان:
أحدهما: أنه مأخوذ من ناصرة قرية بالشام.
والاخر: أنه من نصر المسيح. وكيف تصرفت الحال فقد صارتا صفتي ذم تجريان على فرقتين ضالتين. فان قيل: إن كان إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، لان التوراة والإنجيل أنزلا بعده، فيجب أن لا يكون مسلما، لان القرآن أيضا أنزل بعده؟قلنا: لا يجب ذلك، لان التوراة والإنجيل أنزلا من بعده من غير أن يكون فيها ذكر له بأنه يهوديا أو نصرانيا. والقرآن أنزل من بعده وفيه الذكر له بأنه كان حنيفا مسلما. وقيل في معنى الحنيف قولان:
أحدهما: المستقيم الدين، لان الحنف هو الاستقامة في اللغة. وإنما سمي من كان معوج الرجل أحنف على طريق التفاؤل كما قيل للضرير إنه بصير.
والثاني: إن الحنيف هو المائل إلى الحق في الدين فيكون مأخوذا من الحنف في القدم، وهو الميل. فان قيل: هل كان إبراهيم على جميع ما نحن عليه الان من شرع الاسلام؟قلنا. هو (ع) كان مسلما، وإن كان على بعض شريعتنا، لان في شرعنا تلاوة الكتاب في صلاتنا وما أنزل القرآن إلا على نبينا، وإنما قلنا: إنه مسلم بإقامة بعض الشريعة، لان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كانوا مسلمين في الابتداء قبل استكمال الشرع. وقد سماه الله تعالى مسلما، فلا مرية تبقى بعد ذلك.