الآية 55

قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾

الاعراب:

العامل في (إذ) يحتمل أحد أمرين:

أحدهما: قوله: " ومكروا ومكر الله " " إذ قال ".

والاخر: ذاك " إذ قال يا عيسى " وعيسى في موضع الضم، لأنه منادا مفرد، ولكن لا يبين فيه لأنه منقوص، وعيسى لا ينصرف لاجتماع العجمة والتعريف على قول الزجاج، لأنه حمل الألف على حكم الملحق بمخرج ولم يحملها على التأنيث، فأما الألف في زكريا، فلا يكون إلا للتأنيث، لأنه لا مثال له في الأصول. وإذا عرب جرى على قياس كلامهم في أن الألف الزائدة لا تخلو أن تكون للتأنيث أو للالحاق، فإذا بطل أحدهما صح أنها للاخر. وإنما وجب ذلك، لأنه يجري مجرى الاعراب بالعوامل، فأما الاشتقاق، فلا يجب، لأنه تصريف من أصل المشتق، وليس العربي بأصل للعجمي، وذلك نحو العيس وهو بياض الإبل والعوس وهو السياسة لو كان عربيا، لصلح أخذه من أحد الأصلين. وإذا أخذ من أحدهما امتنع من الاخر، فلذلك إذا أخذ من العجمي امتنع من العربي. وقوله: (إني متوفيك) قيل في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها: قابضك برفعك من الأرض إلى السماء من غير وفاة موت في قول الحسن وابن جريج وابن زيد.

الثاني: متوفيك وفاة نوم في قول ابن عباس ووهب ابن منية.

والثالث: ان فيه تقديما وتأخيرا، ومعناه إني رافعك، ومتوفيك فيما بعد ذكره الفراء. وقوله: " ورافعك " قيل في معناه قولان:

أحدهما: رافعك في السماء فجعل ذلك رفعا إليه للتفخيم واجراءه على طريق التعظيم.

والاخر: مصيرك إلى كرامتي كما يقال رفع إلى السلطان، ورفع الكتاب إلى الديوان. وقال إبراهيم " إني ذاهب إلى ربي " (1). وإنما ذهب من العراق إلى الشام. وإنما أراد إلى حيث أمرني ربي بالمضي إليه. وقوله: (ومطهرك) قيل فيه قولان:

أحدهما: مطهرك باخراجك من بين الأرجاس، لان كونه في جملتهم بمنزلة التنجيس له بهم، وإن كان عليه السلام طاهرا في كل حال، وإنما ذلك على ازالته عن مجاورة الأنجاس.

والثاني: قال أبو علي: تطهيره: منعه من كفر يفعلونه بالقتل الذي كانوا هموا به لان ذلك نجس طهره الله منه. وقوله: (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة يحتمل أن يكون جعلهم فوقهم بالحجة والبرهان، ويحتمل أن يكون ذلك بالعز والغلبة، وقال الحسن، وقتادة، والربيع: المعني بهذه الآية أهل الايمان. وما جاء به دون الذين كذبوه أو كذبوا عليه. وقال ابن زيد: المعني به النصارى، وهم فرق اليهود من حيث كانوا اليهود أذل منهم إلى يوم القيامة، ولهذا زال الملك عنهم وإن كان ثابتا في النصارى في بلاد الروم وغيرها، فهم أعز منهم وفوقهم. وقال الجبائي فيه دلالة على أنه لا يكون لليهود مملكة إلى يوم القيامة كما للروم. والوجه الأول أقوى، لأنه أظهر إذا كان على جهة الترغيب في الحق، وقوله: (ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) وجه اتصاله بالكلام كأنه قال أما الدنيا فأنتم فيها على هذه الحال، وأما الآخرة، فيقع فيها التوفية للحقوق على التمام والكمال. وإنما عدل عن الغيبة إلى الخطاب في قوله: " ثم إلي مرجعكم " لتغلب الحاضر على الغائب لما دخل معه في المعنى كما يقول بعض الملوك: قد بلغني عن أهل بلد كذا جميل، فأحسن إليكم معشر الرعية.


1- البيت مشهور في كتب النحو.