الآية 50
قوله تعالى: ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
الاعراب:
ومصدقا نصب على الحال وتقديره قد جئتكم مصدقا، لان أول الكلام يدل عليه ونظيره جئته بما يجب ومعرفا له، وليس عطفا على وجيها ولا رسولا لقوله " لما بين يدي " ولم يقل لما بين يديه.
المعنى:
وقوله: (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) فإنما أحل لهم لحوم الإبل والثروب وأشياء من الطير والحيتان، مما كان محرما في شرع موسى (ع) ولم يحل لهم جميع ما كان محرما عليهم من الظلم، والغصب، والكذب، والعبث وغير ذلك، فلذلك قال " بعض الذي حرم عليكم " وبمثل هذا قال قتادة والربيع، وابن جريج ووهب ابن منية، وأكثر المفسرين. وقال أبو عبيدة أراد كل الذي حرم عليكم واستشهد على ذلك بقول لبيد:
تزاك أمكنة إذا لم أرضها * أو يعتلق بعض النفوس حمامها (1)
قال معناه أو يعتلق نفسي حمامها. وأنكر الزجاج تأويله. وقال: هو خطأ من وجهين:
أحدهما: أن البعض لا يكون بمعنى الكل.
والاخر: أنه لا يجوز تحليل المحرمات أجمع، لأنه يدخل في ذلك الكذب، والظلم، والكفر قال: ومعنى البيت أو يعتلق نفسي حمامها، كما يقول القائل: بعضنا يعرفك يريد أنا أعرفك، وهذا أيضا إنما هو تبعيض صحيح. ووجه الآية ما ذكره أبو علي، وجماعة من المفسرين. أن قوما من اليهود حرموا على نفوسهم أشياء ما حرمها الله عليهم، فجاء بتحليل ذلك. قال الرماني: تأويل الآية على ما قالوه، لكنه لا يمتنع أن يوضع البعض في موضع الكل إذا كانت هناك قرينة تدل عليه، كما يجوز وضع الكل في موضع البعض بقرينة. قوله: (ولأحل لكم) معطوف على معنى الكلام الأول، لان معناه جئتكم لأصدق ما بين يدي من التوراة، ولأحل لكم، كما يقول القائل: جئته معتذرا ولاجتلب عطفه. والاحلال هو الاطلاق في الفعل بتحسينه، والتحريم هو حظر الفعل بتقبيحه. والفرق بين التصديق، والتقليد أن التصديق لا يكون إلا فيما يبرهن عند صاحبه. والتقليد يكون فيما لم يتبرهن، ولهذا لم نكن مقلدين للنبي صلى الله عليه وآله وإن كنا مصدقين له.1- اللسان (بعض) ذكر العجز فقط.